تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الاختلاط في الطواف!]

ـ[علي العجمي]ــــــــ[13 - 10 - 09, 04:19 ص]ـ

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وبعد:

فإنَّ من القضايا التي يسعى أهل الباطل لتهوينها والتقليل من خطرها هي: قضية اختلاط الرجال بالنساء، وقد كثر في هذه الأيام إيراد كثير من الشبه والتذرع بها، ومن الشُبَه التي يلوكونها ويكرِّرونها: وجود الاختلاط في الطواف! ويستدلون بذلك على جواز الاختلاط! مع أنهم أصلاً ليسوا من أهل الاستدلال، إنما هم أهل أهواء متطفلون على أحكام الدين متبعون للمتشابه من الأدلة، مؤولون للمحكم منها.

ولأن هذه الشبهة قد تنطلي على بعض المسلمين، أحببت أن أُبيّن تهافتها وعدم صحتها باختصار، من خلال نقطتين:

الأولى: بعدم التسليم، في جواز الاختلاط في الطواف، فإن الطواف بالبيت لم يكن مختلطاً زمنَ النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل في طواف النساء أن يكون من وراء الرجال؛ ويدل لذلك أدلة، منها:

1/مارواه البخاري في صحيحه (1539) أنابن جريجقاللعطاء: ( .. كَيْفَ يُخَالطْنَ الرِّجَال؟ قَال: لمْ يَكُنَّ يُخَالطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً -أي: معتزلة- مِنَ الرِّجَال لا تُخَالطُهُمْ .. ) الحديث.

2/وروى الفاكهي (104) والبيهقي (9535)، أن مولاةً لعائشة-رضي الله عنها- دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ طُفْتُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَاسْتَلَمْتُ الرُّكْنَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا: لاَ آجَرَكِ اللَّهُ لاَ آجَرَكِ اللَّهُ تُدَافِعِينَ الرِّجَالَ! أَلاَ كَبَّرْتِ وَمَرَرْتِ.

3/وروى الفاكهي (457) عن إبراهيم النخعي قال:

نَهى عُمَر رضي الله عنه أَن يَطُوفَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاء، قاَلَ: فَرأَى رَجُلاً مَعهُنَّ فَضَربه بِالدرَّة.

4/وروى البخاري (452) ومسلم (1276) عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا -زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ- قَالتْ: شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَال: (طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ .. ) الحديث.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي (ت852): (أمَرها أن تطوف من وراء الناس ليكون أستر لها، ولا تقطع صفوفهم أيضاً، ولا يتأذون بدابتها) (فتح الباري 3/ 481).

5/ القياس على الصلاة، فكما أن المرأة تكون في الصلاة خلف الرجال فكذلك في الطواف،

قال أبواليد الباجي المالكي (ت435): (وأما المرأة فإن مِن سنَّتها أن تطوف وراء الرجال ; لأنها عبادة لها تعلق بالبيت، فكان مِن سنَّة النِّساء أن يكنَّ وراء الرجال، كالصلاة) (المنتقى شرح الموطأ 2/ 295).

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (فتوى رقم 6758): (فإنَّ النساء كنَّ يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم، ولا يختلطن بهم).

واستمر اعتزال النساء في الطواف حتى في القرن الثامن، وقد ذكر ابن بطوطة (ت779) في رحلته قال:

(وموضع الطواف مفروش بالحجارة السود محكمة الإلصاق) إلى أن قال: (وطواف النساء في آخر الحجارة المفروشة).

ومن مراعاة أهل العلم للمنع من الاختلاط في الطواف قول ابن جماعة:

" وَمِنْ أَكْبَرِ الْمُنْكَرَاتِ ما يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْعَوَامّ في الطَّوَافِ، من مُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ بِأَزْوَاجِهِمْ سَافِرَات عن وُجُوهِهِنَّ ... " إلى أن قال:

" نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُلْهِمَ وَلِيَّ الْأَمْرِ إزَالَةَ الْمُنْكَرَاتِ آمِينَ" (نقله ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى 1/ 201 - 202)

بل إن الفقهاء مراعاة لأصل المنع من الاختلاط، استحبوا للمرأة ما لم يستحبوا للرجل من نحو: طوافها بعيدة عن البيت، ورخصوا لها في تأخير طواف القدوم إلى الليل خشية الزحام وغير ذلك.

وماكان خلاف ماسبق -من منع الاختلاط في الطواف- فهو راجع أما إلى:

-الضرورة كما في المواسم.

- وإما إلى سوء تصرف الناس من الرجال والنساء.

أما الواقع الذي نراه من الاختلاط المزعج في المطاف والمسعى، فهو مخالف للشرع، ولا يزال العلماء ينكرونه، ويحاولون إصلاحه.

ثم إن الواقع ليس دليلا على الجواز؛ لأننا نأخذ ديننا من الوحيين لا من واقع الناس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير