تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الفرق بين الرياء والتشريك في العبادة]

ـ[محمد محمود جمعة إبراهيم]ــــــــ[03 - 10 - 09, 03:52 ص]ـ

[الفرق بين الرياء والتشريك في العبادة]

الحمد لله العلي الأكرم، والصلاة والسلام على المخصوص بجوامع الكلم وفضائل النعم، وعلى آله وصحبه مصابيح الظلم وينابيع الكرم:

وبعد فهذا توضيح للفرق بين الرياء الذي هو مبطل للعمل والتشريك في العبادة الذي ينقص الأجر ولا يبطله، فهذه الأغراض المخالطة للعبادة قد تنقص الأجر والعبادة إذا تجردت عنها زاد الأجر وعظم الثواب.

فالرياء العمل ليراه غير الله تعالى من خلقه، مراعاة لنظر الخلق ورؤيتهم. وأما التشريك في العمل لمن لا يرى ولا يبصر من هذه الأغراض التي لا يدخل فيها تعظيم الخلق بل هي تشريك أمور من المصالح ليس لها إدراك ولا تصلح للإدراك ولا للتعظيم فلا تقدح في العبادات.

ومسألة والتشريك في العبادة تحتاج إلى شيء من التفصيل والبسط والتمثيل كما سيأتي.

قال القرافي: "اعلم أن الرياء في العبادات شرك وتشريك مع الله تعالى في طاعته وهو موجب للمعصية والإثم والبطلان في تلك العبادة كما نص عليه الإمام المحاسبي وغيره ويعضده ما في الحديث الصحيح أخرجه مسلم وغيره أن الله تعالى يقول أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته له أو تركته لشريكي فهذا ظاهر في عدم الاعتداد بذلك العمل عند الله تعالى وكذلك قوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله

مخلصين له الدين يدل على أن غير المخلصين لله تعالى ليسوا مأمورين به وما هو غير مأمور به لا يجزى عن المأمور به فلا يعتد بهذه العبادة وهو المطلوب وتحقيق هذه القاعدة وسرها وضابطها أن يعمل العمل المأمور به والمتقرب به إلى الله تعالى ويقصد به وجه الله تعالى وأن يعظمه الناس أو يعظم في قلوبهم فيصل إليه نفعهم أو يندفع عنه ضررهم فهذا هو قاعدة أحد قسمي الرياء والقسم الآخر أن يعمل العمل لا يريد به وجه الله تعالى ألبتة بل الناس فقط ويسمى هذا القسم رياء الإخلاص والقسم الأول رياء الشرك لأن هذا لا تشريك فيه بل خالص للخلق والأول للخلق ولله تعالى .... " انتهى.

فالتشريك في العبادة لا يحرم بخلاف الرياء فيها فإنه يحرم وذلك أن التشريك فيها لما كان بما جعله الله تعالى للمكلف في هذه العبادة مما لا يرى ولا يبصر:

1 - كمن جاهد ليحصل طاعة الله بالجهاد وليحصل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو.

2 - وكمن حج وشرك في حجه غرض المتجر بأن يكون جل مقصوده أو كله السفر للتجارة خاصة ويكون الحج إما مقصودا مع ذلك أو غير مقصود وإنما يقع تابعا اتفاقا.

3 - وكمن صام ليصح جسده أو ليحصل زوال مرض من الأمراض التي تداوى بالصوم بحيث يكون التداوي هو مقصوده أو بعض مقصوده والصوم مقصود مع ذلك.

4 - وكمن صام ليقطع الشهوة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أي قاطع فأمر بالصوم لهذا الغرض فلو كان ذلك قادحا لم يأمر به عليه الصلاة والسلام.

5 - وكمن يتوضأ بقصد التبرد أو التنظيف لم يضره في عبادته ولم يحرم عليه بالإجماع.

6 - وكمن أمر بكثرة المشي فقال بدلاً من ذلك أطوف أحصل على ما أريد وأحصل على أجر الطواف فهذا يؤجر على طوافه لأنه ما عدل من هذا إلى ذاك إلا طلباً للثواب لكنا نقول أجره أقل.

7 - وكالإمام إذا أطال الركوع من أجل الداخل فهذا تشريك في العبادة.

8 - وكمن نوى الصلاة ودفع غريمه صحت صلاته. وكمن نوى الطواف وملازمة غريمه أو السعي خلفه صح طوافه إذا أفرده بنية.

9 - وكمن قرأ في الصلاة آية وقصد بها القراءة والتفهيم فإنها لا تبطل.

10 - ومن ذلك أيضا من قال له إنسان صل الظهر ولك دينار فصلى بهذه النية فإنه تجزئه صلاته ولا يستحق الدينار.

فهذه عشرة أمثلة كاملة لما يصح من العبادات مع التشريك؛ لأن جميع هذه الأغراض لا يدخل فيها تعظيم الخلق بل هي تشريك أمور من المصالح ليس لها إدراك ولا تصلح للإدراك ولا للتعظيم فلا تقدح في العبادات إذ كيف تقدح وصاحب الشرع قد أمر بها في قوله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع.

نعم إذا تجردت العبادة عن هذه الأغراض زاد الأجر وعظم الثواب وإذا لم تجرد العبادة عنها نقص الأجر وإن كان لا سبيل إلى الإثم والبطلان.

وأما الرياء فيها فإنه لما كان شركا وتشريكا مع الله تعالى في طاعته لمن يرى ويبصر من الخلق لجلب المصالح الدنيوية ودفع المضار الدنيوية.

فمن ذلك أن يعمل العمل المأمور به والمتقرب به إلى الله تعالى ويقصد به وجه الله تعالى وأن يعظمه الناس أو يعظم في قلوبهم فيصل إليه نفعهم أو يندفع عنه ضررهم فيسمى رياء الشرك لأنه للخلق ولله تعالى.

أو أن يعمل العمل لا يريد به وجه الله تعالى ألبتة بل الناس فقط فيسمى رياء الإخلاص لأنه لا تشريك فيه بل خالص للخلق كان مضرا بالعبادة ومحرما على المكلف لأنه موجب للمعصية والإثم والبطلان في تلك العبادة

لقوله تعالى "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين".

ولقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته له أو تركته لشريكي. فإن الحديث ظاهر في عدم الاعتداد بذلك العمل عند الله تعالى والآية تدل على أن غير المخلصين لله تعالى ليسوا مأمورين به وما هو غير مأمور به لا يجزئ عن المأمور به فلا يعتد بهذه العبادة.

وهناك صور من التشريك تقتضي الفساد والبطلان كمن ذبح لله وللصنم مع تفصيلات أخرى كمن ينوي مع العبادة المفروضة عبادة أخرى مفروضة أو مندوبة وفيه صور:

منها: ما لا يقتضي البطلان ويحصلان معا. ومنها: ما يحصل الفرض فقط. ومنها: ما يحصل النفل فقط .... تركناها خشية السآمة، ونسأل الله العافية والسلامة

محمد جمعة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير