تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحدها: أنه بشره بالذبيح وذكر قصته أولاً، فلما استوفى ذلك قال: {وبشرناه بإسحق نبياً من الصالحين، وباركنا عليه وعلى إسحق}، فبين أنهما بشارتان: بشارة بالذبيح، وبشارة ثانية بإسحق، وهذا بين.

الثاني: أنه لم يذكر قصة الذبيح في القرآن إلا في هذا الموضع , وفي سائر المواضع يذكر البشارة بإسحق خاصة كما في سورة هود: من قوله تعالى: {وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب}، فلو كان الذبيح إسحق لكان خلفا للوعد في يعقوب. وقال تعالى: {فأوجس منهم خيفة قالوا: لا تخف وبشرناه بغلام عليم، فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم}، وقال تعالى في سورة الحجر: {قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم، قال أبشرتموني على أن مسّني الكبر فبم تبشرون؟ قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين}، ولم يذكر أنه الذبيح، ثم لمّا ذكر البشارتين جميعا: البشارة بالذبيح والبشارة بإسحق بعده، كان هذا من الأدلة على أن إسحق ليس هو الذبيح.

ويؤيد ذلك انه ذكر هبته، وهبة يعقوب لإبراهيم في قوله تعالى: {ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين}، وقوله: {ووهبنا له إسحق ويعقوب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين}، ولم يذكر الله الذبيح.

الوجه الثالث: أنه ذكر في الذبيح أنه غلام حليم، ولما ذكر البشارة بإسحق ذكر البشارة بغلام عليم في غير هذا الموضع، والتخصيص لا بد له من حكمة وهذا مما يقوي اقتران الوصفين، والحلم هو مناسب للصبر الذي هو خُلق الذبيح.

وإسماعيل وصف بالصبر في قوله تعالى: {واذكر إسماعيل و اليسع و ذا الكفل كل من الصابرين}، وهذا أيضا وجه ثالث فإنه قال في الذبيح: {يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين}، وقد وصف الله إسماعيل أنه من الصابرين، ووصف الله تعالى إسماعيل أيضا بصدق الوعد في قوله تعالى: {إنه كان صادق الوعد}، لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به.

الوجه الرابع: أن البشارة بإسحق كانت معجزة، لأن العجوز عقيم، ولهذا قال الخليل عليه السلام: {أبشرتموني على أن مسني الكبر؟ فبم تبشرون؟} وقالت امرأته: {أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا؟!} وقد سبق أن البشارة بإسحق في حال الكبر، وكانت البشارة مشتركة بين إبراهيم وامرأته.

وأما البشارة بالذبيح فكانت لإبراهيم عليه السلام، وامتحن بذبحه دون الأم المبشرة به، وهذا مما يوافق ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الصحيح وغيره: من أن إسماعيل لما ولدته هاجر غارت سارة، فذهب إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة، وهناك أمر بالذبح. وهذا مما يؤيد أن هذا الذبيح دون ذلك.

ومما يدل على أن الذبيح ليس هو إسحق أن الله تعالى قال: {فبشرناها بإسحق، ومن وراء إسحق يعقوب}، فكيف يأمر بعد ذلك بذبحه؟ والبشارة بيعقوب تقتضي أن إسحق يعيش ويولد له يعقوب، ولا خلاف بين الناس أن قصة الذبيح كانت قبل ولادة يعقوب، بل يعقوب إنما ولد بعد موت إبراهيم عليه السلام، وقصة الذبيح كانت في حياة إبراهيم بلا ريب.

ومما يدل على ذلك: أن قصة الذبيح كانت بمكة، والنبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة كان قرنا الكبش في الكعبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للسادن: " إني آمرك أن تخمر قرني الكبش فإنه لا ينبغي أن يكون في القبلة ما يلهي المصلي ".

ولهذا جعلت منى محلاً للنسك من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وهما اللذان بنيا البيت بنص القرآن.

ولم ينقل أحد أن إسحق ذهب إلى مكة، لا من أهل الكتاب، ولا غيرهم، لكن بعض المؤمنين من أهل الكتاب يزعمون أن قصة الذبح كانت بالشام، فهذا افتراء. فإن هذا لو كان ببعض جبال الشام لعرف ذلك الجبل، وربما جعل منسكاً كما جعل المسجد الذي بناه إبراهيم وما حوله من المشاعر.

وفى المسألة دلائل أخرى على ما ذكرناه، وأسئلة أوردها طائفة كابن جرير، والقاضي أبي يعلى، والسهيلي، ولكن لا يتسع هذا الموضع لذكرها والجواب عنها والله عز وجل أعلم)) اهـ. انظر مجموع الفتاوى [4/ 331 – 336].

2 – كلام ابن القيم

قال ابن القيم رحمه الله ((وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير