تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

توفي - رحِمه الله تعالى - بفاس في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف، عن نَيِّف وسبعين سنة، وخرج جُلُّ أهل فاس في جنازته، ولما بَلَغَت وفاتُه مكةَ المكرمة، صُلِّيَ عليه بالمسجد الحرام صلاة الغائب.

وأنْجَبَ عِدَّة أولادٍ كانوا أطوادًا للعلم، دَرَّسوا وخَطَبوا وأفْتَوا ونَظَموا ونَثَروا وحَدَّثوا [2]، رحم الله الجميع.

صورة الغلاف

صورة الصفحة الأولى

صورة الصفحة الأخيرة

* * * * *

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

حمدًا لمن أخرجنا من الجهل، بمحْض الكرم والجود والفضل، بعدما هَيَّأ أسباب ذلك، ويَسَّرَها لمن أراد فوزه بما هنالك، وصلاةً وسلامًا على مدينة العلم ولُبَابها، وآله وصحبه، سِيَّما نسل بابها [3]، وبعد:

فهذا بعون الله تقييدٌ منيفٌ [4]، ومختصرٌ لطيفٌ ظريفٌ شريف، تَضَمَّن ما يَحتاج إليه طالب العلم، مِمَّا هو سبب في الإدراك والتحصيل والفهْم.

* * * * *

اعلم أنَّ أوَّل ما يحتاج إليه مُتَعَلِّم العلم أن يُصَحِّح نيَّته؛ لينتفع بما يتعلم، وينتفع به من يأخذ عنه، وذلك بأن ينوي بتعلمه:

أ- الخروج من الجهل؛ لأنَّ الله تعالى قال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9].

ب- ومنفعة الخلق؛ لأنَّ النَّبيَّ - عليْه السَّلام – قال: ((خير النَّاس مَن ينفع الناس)) [5].

ج- وإحياء العلم؛ لأن الناس لو تركوا التعلم لذهب العلم؛ قال - عليه السلام -: ((تعلَّموا العلم قبل أن يُرْفَع، ورَفْعُه بذهاب العلماء)) [6].

د- والعمل به؛ لأنَّ العلم آلةٌ للعمل، وطلب الآلة - لا للعمل -لَغو، والعلم بلا عمل وَبال، والعمل بلا علم ضلال.

هـ- ووجه الله تعالى، والدار الآخرة، لا الدنيا؛ قال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَاوَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: 20].

وقال - عليه السلام -: ((مَن كانت نيَّته الدنيا، فَرَّق اللهُ عليه أمره، وجَعَل فَقْرَه بين عينيه، ولم يَأْتِه من الدنيا إلا ما كتب الله له، ومن كانت نِيَّتُه الآخرة، جَمَع الله شَمْلَه، وجَعَل غِناه في قَلْبِه، وأتتْه الدنيا وهي رَاغِمَةٌ ذَليلَةٌ)) [7].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((من تَعَلَّم علمًا ممَّا يُبْتغى به وجهُ الله - عزَّ وجلَّ - لا يتعلَّمه إلا ليصيبَ به عَرَضًا من الدنيا - لم يجد عَرْفَ – أي: رائحة - الجنة يوم القيامة)) [8].

* * * * *

فإن لم يقدر على تصحيح نيَّته، فالتعلم أفضل من تركه؛ لأنَّه إذا تعلَّم العلم، يُرْجى بأن يُصَحِّح العلمُ نيَّته؛ كما قال مجاهد: "طلبنا هذا العلم وما كان لنا فيه كثيرٌ من النيَّة، ثم رزق الله لنا فيه النيَّة" [9].

على أنَّ الوعيد الوارد إنَّما هو لمن كان أصل عمله الرياء والسمعة والدنيا، أمَّا من كان أصل عمله لله، وعلى ذلك عقد نيته، فلا تضرُّه إن شاء الله الخَطَرات التي تقع بالقلب ولا تُمْلَك، كما قال مالك - رحمه الله.

* * * * *

ولا يُحَصِّل العلم إلا من كان جادًّا في طلبه، بالعناية والمباحثة، والملازمة والنَّصَب، والصَّبر على الطلب، مع هداية الله تعالى وتيسيره؛ كما حكى الله عن سيِّدنا موسى - عليه السلام - أنَّه قال لسيدنا الخضر: {سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} [الكهف: 69]، وأنَّه قال لفتاه: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكهف: 62].

وقال سعيد بن المسيب: "إنْ كنتُ لأرحل في طلب العلم والحديث الواحد مسيرة الأيَّام والليالي" [10].

وبذلك ساد أهل عصره، وكان يُسمَّى سَيِّد التابعين.

وقال مالك - رحمه الله -: أقمت خَمْس عشرة سنة، أغدو من منزلي إلى منزل ابن هُرْمُز، وأقيم عنده إلى صلاة الظهر [11]، مع ملازمته لغيره، وكثْرة عنايته، وبذلك فاق أهل عصره، وسُمِّي إمام دار الهجرة.

وأقام ابن القاسم [12] مُتغرِّبًا عن بلَده في رحلته إلى مالك عشرين سنة، حتى مات مالك - رحمه الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير