تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن أهل العلم، وهو منسوب إلى الإمام مالك وأبي حنيفة و أبي ثور، وهو قبل ذلك مروي عن عائشة - رضي الله عنها - مَن يقول إنه يجوز تجاوز الميقات إلى ميقات آخر. فإنه قد ذكر أهل العلم أن عائشة - رضي الله عنها -كانت مقيمة في المدينة، فكانت إذا أرادت أن تعتمر أحرمت من الجحفة، وإذا أرادت أن تحج أحرمت من ذي الحليفة، فإذا أرادت أن تعتمر فلا شك أنها تجاوزت ذا الحليفة إلى الجحفة، وثبت أيضًا في الصحيحين من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - أنه خرج مع المسلمين عام الحديبية، فالمسلمون أحرموا من ذي الحليفة، وأبو قتادة - رضي الله تعالى عنه - ما أحرم من ذي الحليفة، فالموفَّق بن قُدَامَة يقول إنه أحرم من الجحفة، فيكون أبو قتادة - رضي الله تعالى عنه - أيضًا مثل عائشة، تجاوز ميقاتًا إلى ميقاتٍ آخر. وأيضًا يمكن أن يُستدل لأصحاب هذا القول بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن))، فإذا أتيت إلى جدة، وإن كانت جدة ليست ميقاتًا لك، إلا أنك إذا أتيت من جهتها تصبح ميقاتًا لك، والذي يظهر لي - والله سبحانه وتعالى أعلم - أن هذا القول هو الراجح؛ لأنه بالنظر إلى هذه المواقيت، نلاحظ أن هذه المواقيت جعلها الله - سبحانه وتعالى - حرمة للبيت الحرام، تعظيمًا لهذا البيت، فإن الله - عز وجل - جعل لبيته الحرام وللكعبة المشرفة ثلاث حرمات:

"حرمة المسجد، وحرمة الحرم، وحرمة المواقيت"، فأنت لو وضعت نقاطًا على كل منطقة - سواء كانت ميقاتًا أصليًّا أو فرعيًّا - لوجدت أنها تحيط بالحرم من كل جوانبه، فهي كما إذا أتيت هذا المسجد، فإذا دخلت مع هذا الباب، وتريد أن تخرج مع هذا الباب، ثم ترجع مرة أُخرى، هل نقول صلِّ تحية المسجد الآن أم إذا رجعت؟ نقول صلِّ تحية المسجد إذا أردت أن تجلس ولو مررت بالمسجد. فنحن نقول لمن دخل في حدود المواقيت ثم خرج أنه لم يُرِد الحج والعمرة في هذا الدخول، وبالتالي فإنه لا يجب عليه الإحرام؛ حتى يدخله مرة أُخرى بنيَّة الحج أو العمرة، تمامًا كما لو أن إنسانًا ذهب من هنا وهو يريد أن يمر بالمدينة، ويصطاف بالطائف لمدة أسبوع، ثم يرجع ويعتمر، ومن حين خرج من هنا وهو يريد العمرة؛ لكنه ما أرادها في الدخول الأول، دخل حدود المواقيت ثم خرج، ثم يريد أن يرجع مرة أُخرى، فهذا - والعلم عند الله سبحانه وتعالى - يجوز أن يتجاوز الميقات الأول إلى الميقات الثاني؛ لأنه لا يعتبر مُخلاًّ بهذا البيت إن دخل وخرج، ولا شك أن تأثيم ملايين المسلمين ليس من مقاصد الدين، ولا من أهداف الشريعة، فما دام أن الأمر يحتمل، وأن المسألة ليس فيها تجاوز لكتاب الله ولا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تجاوزًا صريحًا، وأن هذا له مسوِّغ من كلام أهل العلم؛ فإنه لا معنى أن نذهب للقول الأشد، أو حتى الأحوط؛ لأن الأحوط أحيانًا يكون فيه حرج على مئات الملايين من المسلمين، الذين يأتون في كل عام للحج والعمرة.

* المسألة الثانية هي: هل جدة كلها ميقات أم لا؟ تعرفون أن جزءًا كبيرًا من الحجاج الآن ينزل في مطار الملك عبدالعزيز، فهل نقول إن مطار الملك عبدالعزيز ميقات؟ وجزء كبير ينزل في ميناء جدة الإسلامي. مدينة جدة واسعة جدًّا وطويلة، تمتد على البحر ما يقرب من سبعين كيلو متر، وبناء على هذا القول الذي أراه - والعلم عند الله سبحانه وتعالى – راجحًا؛ فإن جدة ليست كلها ميقاتًا، فمطار الملك عبدالعزيز ليس ميقاتًا، ولا يجوز لمن ذهب إلى جدة أن يحرِم من المطار؛ لأنه بالنظر إلى مطار جدة نجد أن بينه وبين الجحفة أقرب من المسافة بينه وبين يلملم، وقد قلنا في المحاذاة: إن المحاذاة أن تنظر إلى أقرب الميقاتين إليك، فبالنسبة إلى شمال جدة والمطار فإن الجحفة أقرب من يلملم، وبالتالي لا تكون محاذية حتى تكون المسافة بينها وبين الحرم كالمسافة بين الجحفة وبين الحرم، وإذًا فبناء على هذا القول الذي يعتبر ميقاتًا هو وسط وجنوب جدة، هذا هو الذي يعتبر ويعد ميقاتًا، بناء على هذا القول فالميناء الإسلامي وأوسط جدة وجنوب جدة وغرب جدة، هذا كله يعد ميقاتًا. وقبل أن أختم هذه المسألة فإني أقول إن هذه المسألة من المسائل الكبيرة والمهمة، التي تعم بها البلوى، والتي وردت فيها فتاوى كثيرة، ودرسها مَجمَع الفقه الإسلامي، وبحثها غير واحد من أهل العلم وطلابه، ومن أحسن من بحث هذه المسألة هو الشيخ عدنان العرعور -حفظه الله تعالى- في كتاب أو رسالة سماها "أدلة إثبات أن جدة ميقات"؛ لكني أقول إن هذه المسألة تحتاج إلى مزيد بحث، والذي أراه و أشير به وأدعو إليه، هو أن الجهات المختصة وولاة الأمر يُكلِّفون عددًا من طلبة العلم، ممن يرى هذا الرأي ويرى أن جدة ميقات، ويكلفون معهم عددًا من المختصين بعلم الجغرافيا، الذين عندهم القدرة والخبرة على قراءة الخرائط وقراءة الصور الجوية، وأن يجتمع هؤلاء ثم يبحثوا هذه المسألة بحثًا شرعيًّا، وينزلونها على الواقع، ويضعون المعالم لما يُعدُّ من جدة ميقاتًا، وما لا يعد منها ميقاتًا، ثم تعرض هذه المسألة وهذا البحث على هيئة كبار العلماء للنظر فيه، فإذا أقر فإنه ينزل على الواقع، وتوضع علامات في جدة للمواقيت، وأيضًا يستحسن أن يوضع في جدة - كما وضع في سائر المواقيت - مسجدًا يكون علامة على الميقات، بحيث إن الناس يُحرِمون منه، مَن أتى من طريق المطار أو من البحر أو من غيره، فيكون هذا مَعْلَمًا وميقاتًا مثل المساجد التي أقامتها الدولة - بارك الله فيها - في بقية المواقيت، هذا ما يسر الله - سبحانه وتعالى - وفتح به في هذة المسألة، أسأل الله - سبحانه وتعالى - السداد والتوفيق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير