وأما ما ذكره بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام في أن الجمعة إنما اختصت بالخطبتين، وقد حصلت لمن حضر العيد، أو أن شهود العيد يحصل مقصود الاجتماع، فهذا قد يكون صحيحا إذا قيل: إن الحكمة في صلاة الجمعة هي الاستفادة من سماع الخطبة، أو الاجتماع والتلاقي، وتبادل السلام، والتعارف، ولكن قد ذهب الجمهور إلى أن صلاة العيد سنة أو فرض كفاية؛ ولذلك تفوت الكثيرين من المواطنين، ومع ذلك فإن الجمعة فيها حكم وفضائل غير سماع الخطبة، وحصول الاجتماع، كالتقدم، والنوافل، والانتظار، ونحو ذلك مما لم يرد مثله في صلاة العيد، وحيث إن أهل العوالي والمساكن النائية يشق عليهم الرجوع للجمعة، رخص لهم في تركها، وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إنكم قد أصبتم خيرا، فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد فإنا مجمعون ([74]) وقد سبق الحديث، فعلى هذا تكون الرخصة في ترك الجمعة خاصة بمن منزله بعيد، كمن بينه وبين الجمعة مسيرة ساعة أو أكثر.
-: حال الناس في هذه الأزمنة:
أما في هذه الأزمنة فقد خفت أو عدمت المشقة التي يلاقيها الأولون، فأولا: بوجود وسائل النقل، وهي السيارات المريحة، والتي تقرب البعيد، بحيث تقطع الفرسخ في بضع دقائق، بدل ما كان يستغرق السير فيه أكثر من ساعة ونصف، فمع توفر هذه الوسائل، وتيسر الحصول عليها لا عذر في ترك الجمعة، ولو شهد العيد، فمن لم يملك السيارة وجدها عند جاره أو قريبه، أو دفع أجرة لركوبه لا تضر باقتصاده غالبا، فمن لم يجد الأجرة، ولم يستطع السير إلى الجامع على قدميه؟ لاستغراقه زمنا كثيرا كساعة ونصف أو أكثر فهو معذور في تركها، ولو في غير يوم العيد كما هو الواقع من الكثير.
وثانيا: ما حصل من تسهيل العلماء في الإذن بتعدد الجوامع، والإكثار منها، فالمدينة النبوية في العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين ليس فيها مسجد تقام فيه الجمعة سوى المسجد النبوي، أما الآن فقد توسع الناس وأكثروا من الجوامع، حتى بلغت العشرات هناك، ويقال كذلك في مكة المكرمة، والطائف، وجدة، والرياض، وغيرها، فقد كثرت الجوامع بل وتقاربت، بحيث يسمع بعضهم خطبة الآخر وتكبيراته، فضلا عن الأذان بل تكررت في القرى الصغيرة وملحقات المدن، وإن كان هذا التوسع خلاف المشهور من أقوال العلماء، وخلاف ما شرعت له الجمعة من اجتماع أهل البلد، وتعارفهم، وتقاربهم، ولكن حصل هذا التساهل بسبب كثرة الزحام، وصغر المساجد، أو التعلل بالمشقة والضعف ونحو ذلك، وبكل حال فإن تقارب الجوامع وكثرتها تزول معه المشقة في شهود الجمعة لمن حضر صلاة العيد وغيره، فلا يجوز التسهيل في أمرها، والترخيص في حضورها أو تركه، وإن كان ذلك القول المشهور في المذهب الحنبلي؛ نظرا لزوال العذر أو تخفيفه كما ذكرنا،
والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
الفهرس
مقدمة ......................... .............................. .............................. .............................. .... 22
نقول عن الأئمة وأهل المذاهب .............................. .............................. ............................. 3
مذهب الحنفية .............................. .............................. .............................. ................... 3
مذهب المالكية .............................. .............................. .............................. .................. 4
مذهب الشافعية ...................... .............................. .............................. ......................... 10
مذهب الحنابلة ...................... .............................. .............................. ......................... 11
تلخيص المذاهب السابقة ....................... .............................. .............................. ............. 15
تخريج الأحاديث والآثار في الباب .............................. .............................. ....................... 15
تلخيص مذاهب العلماء ....................... .............................. .............................. .............. 20
¥