تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه المسألة كنا نظن أنه لا يحكى فيها خلاف، خاصة عندنا هنا في هذه البلاد التي من الله تعالى عليها بدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، عليه رحمة الله.

فحكم السحر والساحر والنشرة، مما يتعلمه أبناؤنا وبناتنا في الصفوف الأولى في مراحل التعليم، ويكرر لهم ذكره في خطب الجمعات وفي غيرها من المناسبات، حتى استقر في أذهان الخاصة والعامة حكم تلك المسائل، واطمأنت قلوبهم لها، كما هو ظاهر.

وقد مرت عقود والناس فيها هنا لا يعرفون إلا القول الراجح الموافق للكتاب والسنة ولآثار السلف ولقول جماهير العلماء من الخلف، وهو أن السحر كفر، وأن الساحر كافر، ولا يجوز حل السحر بالسحر.

وضرر السحر والسحرة، ومفسدتهم في الدين والدنيا، مما لا يخفى على عاقل، ولا يحتاج إثباته إلى دليل.

لكننا ابتلينا بطائفة ممن ينتسب إلى العلم والإفتاء، ممن أعجبه رأيه وأخذ يعمل فكره في استخراج الآراء الشاذة المخالفة للنصوص الصريحة، والانتصار لها والإفتاء بها للعوام، دون النظر إلى عواقب الأمور، ولا أخذ مشورة ولاة الأمور من العلماء والأمراء، الذين هم أعلم منه بما يصلح أن يفتى به وما لا يصلح.

وسنذكر هنا ما قاله أهل العلم في هذه المسألة، حتى يعلم ذلك المفتي أن من سبقه أعلم منه بها، وأن اختيارهم للقول الصحيح في منع حل السحر بالسحر، والإنكار على من قصد السحار لطلب النشرة، لم يكن عن جهل بالقول الشاذ الذي اختاره هو، وظنه أرجح من اختيارهم.

ذكر ابن قدامة حكم حل السحر بالسحر، فقال ((وأما من يحُلّ السحر، فإن كان بشيء من القرآن، أو شيء من الذكر والأقسام والكلام الذي لا بأس به، فلا بأس به.

وإن كان بشيء من السحر، فقد توقف أحمد عنه. قال الأثرم: سمعت أبا عبدالله سئل عن رجل يزعم أنه يحل السحر، فقال قد رخّص فيه بعض الناس. قيل لأبي عبدالله: إنه يجعل في الطنجير ماءً ويغيب فيه ويعمل كذا، فنفض يده كالمنكِر، وقال: ما أدري ماهذا.

قيل له: فترى أن يؤتى مثل هذا يحل السحر؟ فقال: ما أدري ماهذا؟.

وروي عن محمد بن سيرين أنه سئل عن امرأة يعذبها السحرة، فقال رجل: أخط خطاً عليها، وأغرز السكين عند مجمع الخط، وأقرأ القرآن. فقال محمد: ما أعلم بقراءة القرآن بأساً على حال، ولا أدري ما الخط والسكين؟.

وروي عن سعيد بن المسيب في الرجل يؤخذ عن امرأته، فيلتمس من يداويه، فقال: إنما نهى الله عما يضر، ولم ينهَ عما ينفع.

وقال أيضاً: إن استطعت أن تنفع أخاك فافعل.

فهذا من قولهم يدل على أن المعزِّم ونحوه، لم يدخلوا في حكم السحرة، لأنهم لا يُسمّوْن به، وهو مما ينفع ولا يضر .. )) ا هـ. انظر المغني [12/ 300 – 305].

قال سمير: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سُحر، كما روت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والحديث مشهور، وقد جاء في حديثها " قلت يا رسول الله أفلا استخرجته؟

قال: قد عافاني الله، فكرهت أن أثير على الناس فيه شراً .. ".

وفي لفظ " قال: فاستخرج. قالت: فقلت: أفلا – أي تنشّرت -؟

فقال: أما والله فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً ".

وقد بين الحافظ في الفتح اختلاف الرواة في بعض ألفاظ هذا الحديث، ومنه سؤال عائشة رضي الله عنها هل هو عن استخراج السحر، أم عن النشرة؟

قال الحافظ ((قال ابن بطال: ذكر المهلب أن الرواة اختلفوا على هشام في إخراج السحر المذكور، فأثبته سفيان، وجعل سؤال عائشة عن النشرة، ونفاه عيسى بن يونس، وجعل سؤالها عن الاستخراج، ولم يذكر الجواب، وصرح به أبو أسامة .. )).

ثم ذكر الجمع بين الروايات، بأن يحمل الاستخراج المثبت على الجف، والمنفي على ما حواه الجف، حتى لا يراه الناس فيتعلمه من أراد استعمال السحر. انظر الفتح [10/ 235].

وقد بوب البخاري في صحيحه بقوله: باب: هل يُستخرج السحر؟

قال البخاري ((وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طبٌّ، أو يؤخّذ عن امرأته، أ يُحلُّ عنه أو يُنشّر؟

قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم يُنه عنه)).

قال الحافظ ((أورد الترجمة بالاستفهام إشارة إلى الاختلاف، وصدر بما نقله عن سعيد بن المسيب من الجواز إشارة إلى ترجيحه)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير