وكثيرة هي جراحك النازفة!
فمن هو المسؤول عنها؟
أتدرون؟
أعتقد أننا جميعاً شركاءُ في دمها .. على تفاوتِ ما بيننا في المسؤوليات.
والمسؤولية الكبرى تقع على أمانةِ جدة وكل ما تعلق بها من شركات ومقاولين وموظفين ومجلس بلديّ وغير ذلك من جهات تخطيطية أو تنفيذية أو رقابية، فهذه الجهات هي المسؤولة مسؤولية مباشرةً على حسن تنظيم المدينة، وتوفير خدماتها، فلذلك من الواجبِ مساءلتُها والكشف عن أوجه تقصيرها، ومن جيّد الأمر مانص عليه بيان خادم الحرمين الشريفين حيث قال: " إنه من المتعين علينا شرعاً التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولية فيه والمسؤولين عنه - جهاتاً وأشخاصاً - ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة .. مدركين أنه لا يمكن إغفال أن هناك أخطاءً أو تقصيراً من بعض الجهات لدينا الشجاعة الكافية للإفصاح عن ذلك والتصدي له بكل حزم، فهؤلاء المواطنون والمقيمون أمانة في أعناقنا وفي ذمتنا".
والحق أننا لا ينبغي أن نتخذ الأمانة وحدها كبش فداء فما أكثر الجهاتِ المسؤولة .. فإمارة المنطقة تتحمل جزءا من المسؤولية لأنها الحاكم الإداري للأمانة، والمالية تتحمل جزءا من المسؤولية لأنها لم توفر الميزانيات اللازمة، والدفاع المدني يتحمل جزءاً لأن اشتراطات السلامة لم تكن كما ينبغي. وقل مثل ذلك بشأن الوزارات ومجلس الوزراء وغيرها من الجهات التي تتولى تنفيذاً أو رقابةً أو إشرافاً.
وبالجملة فإن كل من ولي أمراً من أمر جدةَ صغر أو كبر فكان تفريطه فيه سبباً في هذه الكارثة حقيقٌ بالمساءلةِ والتحقيق .. بل والزجر والتشهير إن ثبت تقصيرُهُ وتورّطه.
وحسبنا سياسية: (أعفي من عمله بناء على طلبه) أو (عيّن مستشارا) لأنها في الحقيقة بمثابة المكافأة للمقصر!
وأيضاً نحنُ معاشر الخطباء والدعاةِ والملتزمين نتحمّل جانباً من الوزر، فطالما غفلنا عن حقوق المهمشين، وآلام المواطنين والمقيمين، وتشاغلنا بقضايا الاختلاطِ والغناء والإسبال والسينما عن موبقاتِ الفساد الإداري، والظلم والرشوة والتعديات، وسلب الحقوق.
كنا مستعدين لأن نحتسب ألف مرة على حفلٍ غنائيّ وليس لدينا أي استعداد لنحتسب على جور عمال البلدية حين يبتزونَ أصحاب المحلات!
كنا مهيئين لأن نطبع ألف منشور، ونخط ألف بيانٍ، لنعبر عن استنكارنا لظهور صورة امرأة محجبةٍ في صحيفةٍ، ولكنَّ تلوث الماء والهواء لم يكن يشكل لنا قلقاً يُذكر!
سكتنا حتى عن القنوت لأولئك المساكين الذين دهمتهم السيول، وللملايين التي تخشى تفجر بحيرة المسك .. بينما نحن نقنتُ لكل نازلةٍ هنا وهناك.
وعلى ذلك فقس.
لستُ أقول إن مناقشة تلك القضايا عبثٌ أو لغوٌ، أو أن الاحتساب الراشد عليها عملٌ مراهقٌ، كلا بل هو عملٌ صالحٌ ولكني أقول: إن الوقوف عندها وجعلها – في كل حال – مقدمة على ما سواها خطأ بل خطيئةٌ.
وهانحنُ الآن نجني ثمرةَ غيابِ الصوتِ الإسلاميِّ عن مشكلات الحياة والبيئة .. نجنيها كارثةً في الديار والأموال والأرواح .. ونجنيها أيضاً خسارةً في المصداقيةِ، وفقداناً للأنصار!!
بقينا نحنُ أيضاً .. أقصد عامةَ المجتمع .. نحنُ أيضاً نتحمّلُ جانباً ولو يسيراً من المسؤولية.
أخبروني ..
متى حمل أحدنا همّ مدينته؟
كم هو حجم (اللامبالاة) الذي يطبع تصرفاتنا تُجاه مدينتا؟
لايهتم الواحد منا إلا بنفسه .. فإذا نظف أمام بيته ومكان سيارته لم يبال بالشارع كيف كان! وإذا تعامل مع مرافق عامة لم يبال أن يتلفها لأنها ليست له!
وإذا استوى شارعه غفل عن بقية الشوارع!
وإذا سلمَ حيُّهُ لم يهتمَّ ببقية الأحياء!
نحن كمجتمع يعيش في جدة لم ننمّ في أنفسنا حسّ الولاء لمدينتنا والحرص عليها، والبحث عن حقوقها، ورفع الصوت بطلبها.
وبالتالي صمتنا طويلاً على حقوقها وهي تنتهك .. والآن هاهي تنتفض غاضبة .. هاهي تذيقنا طعم تجاهلها والتصامم عن نداءاتها.
ألم أقل لكم ..
إن دم جدة تفرّقَ في القبائل؟!
لن أكون أحمقَ فأسوي بين الجاني والضحية ..
ولن أكون خفيف العقل فأوزع المسؤولية بالتساوي ..
كلا ..
فشتان بين ساكنٍ مسكين تجاوز قليلاً فرمى ورقة في الشارع وبين مقاول جشعٍ لم يتقن عمله فهوى الطريق وهوت معه أرواح!
¥