تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالفرق بين السفر الطويل والقصير لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله بل الأحكام التي علقها الله بالسفر علقها به مطلقا [8].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد تنازع العلماء في قصر أهل مكة خلفه [9] فقيل: كان ذلك لأجل النُّسك، فلا يَقصر المسافر سفرا قصيرا هناك، وقيل: بل كان ذلك لأجل السفر، وكلا القولين قاله بعض أصحاب أحمد، والقول الثاني هو الصواب، وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم، ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة وكانوا محرمين، والقصر مُعلّق بالسفر وجودا وعدما، فلا يُصلى ركعتين إلا مسافر، وكل مسافر يصلى ركعتين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: صلاة المسافر ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة النحر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير نقص - أي غير قصر - على لسان نبيكم، وفى الصحيح [10] عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم زِيد في صلاة الحضر وأُقِرّت صلاة السفر، وقد تنازع العلماء: هل يختص بسفر دون سفر؟ أم يجوز في كل سفر؟ وأظهر القولين أنه يجوز في كل سفر قصيرا كان أو طويلا، كما قصر أهل مكة خلف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومنى، وبين مكة وعرفة نحو بريد أربع فراسخ، وأيضا فليس الكتاب والسنة يخصان بسفر دون سفر لا بقصر ولا بفطر ولا تيمم، ولم يَحد النبي صلى الله عليه وسلم مسافة القصر بحد لا زماني ولا مكاني. ولا يمكن أن يُحدّ ذلك بِحَدٍّ صحيح، فإن الأرض لا تذرع بذرع مضبوط في عامة الأسفار، وحركة المسافر تختلف، والواجب أن يُطلق ما أطلقه صاحب الشرع، ويُقيَّد ما قيّده، فيَقْصُر المسافر الصلاة في كل سفر، وكذلك جميع الأحكام المتعلقة بالسفر من القصر والصلاة على الراحلة والمسح على الخفين، ومن قسم الأسفار إلى قصير وطويل، وخَصّ بعض الأحكام بهذا، وبعضها بهذا، وجعلها متعلقة بالسفر الطويل، فليس معه حجة يجب الرجوع إليها [11].

المسألة الثانية:

حُكم الجمع في السفر، وفيها خمسة أقوال:

القول الأول: جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِعُذْرِ السَّفَرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ فِي وَقْتِ الأُولَى مِنْهُمَا، وَجَمْعَ تَأْخِيرٍ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالْجُمْهُور.

القول الثاني – وهو يُقابِل الأول –: لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة ومزدلفة، وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه، وأجابوا عما رُوي من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري، وهو أنه أخّر المغرب مثلا إلى آخر وقتها، وعجّل العشاء في أول وقتها.

القول الثالث: وبه قال الليث، وهو المشهور عن مالك: أن الجمع يختص بمن جدّ به السير.

القول الرابع: وبه قال عمر بن عبد العزيز والحسن والأوزاعي: أن الجمع في السفر يختص بمن له عذر.

القول الخامس: وبه قال أحمد في رواية، واختاره ابن حزم، وهو مروي عن مالك: أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم [12].

وقد أُجيب عن القول الثاني – وهو منع الجمع إلا بعرفة ومزدلفة - بأجوبة، منها:

1 – بما ثبت من الأحاديث التي جاء فيها التصريح بالجمع، وأنه رخصة، وقد ثبت في صحيح مسلم [13] عن يعلي بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فقد أمِنَ الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: صدقة تصدّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته.

وبين الجمع والقصر تلازم، فإن من جاز له القصر جاز له الجمع، ولا عكس.

2 – بأن هذا الجمع الصوري فيه مشقّة، والجمع المقصود منه التيسير على المسافر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير