ثم قام ابن القشيري- وكان أقلَّهُم احترامًا للشريف- فقال الشريف: من هذا. فقيل: أبو نصر ابن القشيري، فقال لو جاز أن يشكر أحد على بدعته لكان هِذا الشاب لأنه باد هنا بما في نفسه، ولم ينافقنا كما فعل هذان , ثم التفت إلى الوزير فقال: أي صلح يكون بيننا , إنما يكون الصلح بين مختصمين على ولاية أو دنيا أو تنازع في ملك , فأما هؤلاء القوم فإنهم يزعمون أنَّا كفار، ونحن نزعم أن من لا يعتقد ما نعتقده كان كافراً، فأيُّ صلح بيننا , وهذا الإمام يصدع للسلمين، وقد كان جدَاه- القائم والقادر- أَخرجا اعتقادهما للناس، وقرىء عليهم في دواوينهم، وحمله عنهم الخراسانيون والحجيج إلى أطراف الأرض، ونحن على اعتقادهما. وأنهى الوزير إلى الخليفة ما جرى، فخرج في الجواب: عرف ما أنهيته من حضور ابن العم- كَثر اللّهُ في الأولياء مثلَه- وحضور من حضر من أهل العلم. والحمد لله الذي جمع الكلمة، وضم الألفة، فليؤذن للجماعة في الانصراف، وليقل لابن أبي موسى: إنه قد أفرد له موضع قريبٌ من الخدمة ليراجَع في كثير من الأمور المهمة، وليتبرك بمكانه.
4 - وقال أيضا (1\ 127):-
أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد، وابن التبان شيخي المعتزلة. وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة، وتأول لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله.
ففي سنة إحدى وستين اطلعوا له على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة، والترحُّم على الحلاَّج وغير ذلك. ووقف على ذلك الشريف أبو جعفر وغيره، فاشتد ذلك عليهم، وطلبوا أذاه، فاختفى. ثم التجأ إلى دار السلطان، ولم يزل أمره في تخبيط إلى سنة خمس وستين، فحضر في أولها إلى الديوان، ومعه جماعة من الأصحاب، فاصطلحوا ولم يحضر الشريف أبو جعفر لأنه كان عاتبًا على ولاة الأمر بسبب إنكار منكر قد سبق ذكره في ترجمته.
فمضى ابن عقيل إلى بيت الشريف وصالحه وكتب خَطّه: يقول علي بن عقيل بن محمد: إني أبرأ إلى الله تعالى من مذاهب مبتدعة الاعتزال وغيره، ومن صحبة أربابه، وتعظيم أصحابه، والترحم على أسلافهم، والتكثر بأخلاقهم. وما كنت علّقته، ووُجد بخَطّي من مذاهبهم وضلالتهم فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته. ولا تَحل كتابته، ولا قراءته، ولا اعتقاده.
وإنني علقت مسألة في جملة ذلك , وإن قوماً قالوا: هو أجساد سود.
وقلت الصحيح ما سمعته من الشيخ أبي عليّ، وأنه قال: هو عَدمٌ ولا يسمى جسماً، ولا شيئًا أصلاً , واعتقدتُ أنا ذلك. وأنا تائب إلى الله تعالى منهم.
واعتقدتُ في الحلاج أنه من أهل الذَين والزُّهد والكرامات , ونصرتُ ذلك في جزء عملته , وأنا تَائب إلى الله تعالى منه، وأنه قتل بإجماع علماء عصره، وأصابوا في ذلك، وأخطأ هو , ومع ذلك فإني أستغفر اللّه تعالى، وأتوب إليه من مخالطة المعتزلة، والمبتدعة، وغير ذلك، والترحم عليهم، والتعظيم لهم فإن ذلك كله حرام ولا يحل لمسلم فعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عظَّم صاحب بدعة فقد أعان على هَدْمِ الإسلام".
وقد كان الشريف أبو جعفر، ومن كان مَعه من الشيوخ، والأتباع، سادتي وإخواني- حرسهم الله تعالى- مصيبين في الإنكار عليَّ لما شاهدوه بحالي من الكتب التي أبرأ إلى الله تعالى منها، وأتحققُ أني كنتُ مخطئًا غير مصيب.
ومتى حفظ عليَّ ما ينافي هذا الخط وهذا الإقرار , فلإمام المسلمين مكافأتي على ذلك. وأشهدت الله وملائكته وأولي العلم، على ذلك غير مجبر، ولا مكرَه وباطني وظاهري- يعلم الله تعالى- في ذلك سواء. قال تعالى: "وَمنْ عَادَ فَيَنتقِمُ اللّهُ مِنْهُ، وَاللّهُ عَزِيز ذُو انْتِقَام" المائدة: 199.
وكتب يوم الأربعاء عاشر محرم سنة خمس وستين وأربعمائة.
وكانت كتابته قبل حضوره الديوان بيوم، فلما حضَر شَهِدَ عليه جماعة كثيرة من الشهود والعلماء.
ـ[أبو سليمان الجسمي]ــــــــ[28 - 12 - 09, 11:59 م]ـ
جزاك الله خيرا و وفقك فقد أمتعتنا بهذا البحث الرائع.
ـ[عبدالإله العباسي]ــــــــ[30 - 12 - 09, 05:33 م]ـ
وإياك، بارك الله فيك.
ـ[عبدالإله العباسي]ــــــــ[01 - 01 - 10, 05:39 م]ـ
17 - العلامة الشريف أبو المعالي علي بن محمد بن عبدالله السويدي العباسي (1237هـ)
قال رحمه الله في كتابه العقد الثمين في بيان مسائل الدين وهو يتكلم عن الله (ص31):-
عال على عرشه , دان بعلمه من خلقه , أحاط علمه بالأمور , وأنفذ في خلقه سابق المقدور.
18 - العلامة الشريف أبو الفوز محمد أمين بن علي السويدي العباسي (1246هـ)
قال رحمه الله في كتابه التوضيح والتبيين شرح العقد الثمين (ص31):-
الوجه والنفس والعين الإستواء والإتيان والمجيء والنزول والغضب والرضى ونحو ذلك مما وصف به نفسه ووصفه به رسوله وإن كنا لا ندرك كنهه وحقيقته التي هي تأويله ولا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا ولكن أصل معناه معلوم لنا.
¥