وأقول للغامدي لو كان التيسير على العباد في الشريعة ورفع الحرج عنهم بهذا المفهوم المنكر الذي تظنه وتفهمه لما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم مؤذناً له في مسجده ولقال له أنت أعمى وليس على الأعمى حرج في حضور الجماعات فضلاً عن أن يكون أولهم حضوراً ليؤذن لهم!! ولما استخلفه على المدينة ليصلي ببقايا الناس في أكثر من غزوة , ولما تركه الصحابة ليموت في القادسية شهيداً وكان حامل لوائهم يومئذ.
وبهذا الذي تقدَّم تظهر جلياً نكارة دعوى الغامدي على نكارة الحديث لمعارضته لعموم قوله تعالى [لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ].
لاسيما إن علمت أيها القارئ الكريم أن سبب نزول الآية ليس في هذا الذي يدعيه الغامدي ولا هو قريب من عدم الصلاة في الجماعات.
ويؤكد صحة حديث ابن أم مكتوم بأنه لم يعذر , بترك الصلاة في جماعة المسجد واقعه بأن كان مؤذناً في المسجد ليس معذوراً بتركها.
ولو كان يا غامدي الحديث ضعيفاً , وتأويلك صحيحاً لما وجدت الأعمى مؤذناً , ولافي المسجد مصلياً!!!
وعليه لا نكارة في متن حديث الأعمى ولا ضعف في إسناده.
وإنما النكارة كل النكارة في كلام الغامدي , ولكن كما يقال رمتني بدائها ثم انسلَّت.
ويواصل الغامدي أيضاً الكلام على حديث الأعمى قائلاً « ... ثم لو سلم بصحة الحديث لم يسلم بصحة الاستدلال به على وجوب صلاة الجماعة، قال الشوكاني في نيل الأوطار: أعلم أن الاستدلال بحديثي الأعمى وحديث أبي هريرة على وجوب مطلق الجماعة فيه نظر، لأن الدليل أخص من الدعوى، إذ غاية ما في ذلك وجوب حضور جماعة النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده لسامع النداء، ولو كان الواجب مطلق الجماعة لقال في المتخلفين إنهم لا يحضرون جماعته ولا يجمعون في منازلهم، ولقال لعتبان بن مالك: انظر مَن يصلّي معك، ولجاز الترخيص للأعمى بشرط أن يصلي في منزله جماعة. أ.هـ .. »
وجواباً عليه أقول وبالله التوفيق.
إنَّ كلام الشوكاني رحمه الله الذي نقلته عنه ليس غريباً على أهل العلم وكثير منهم يقول بوجوب صلاة الجماعة على من يسمع النداء فقط وهو قول للشيخ العثيمين , سمعته منه بنفسي من سنين!!
وهذا القول له حظ من الفقه والنظر وهو حجة عليك في حضور الجماعة لمن كان يسمع النداء!
فهلا عملت به؟ وقيدت فتواك , بالوجوب على من يسمع النداء!
ثم لماذا لم تكن شجاعاً , وباحثاً نزيهاً ينقل ماله وما عليه؟!
ألم تقف على غيره من أقوال أهل العلم؟! أليس منهم من ردَّ هذا القيد , وعمم الفتوى بوجوب الصلاة في الجماعة على من يسمع النداء وعلى من لم يسمع النداء , وقد وجهوا تقييد الوجوب على الأعمى فقط بسماع النداء , وقالوا إن تقييد الوجوب على الأعمى بسماعه خاصاً لكونه أعمى لا يعرف دخول الوقت إلا به , ولهذا خصَّ الشارع الوجوب عليه بسماعه لا لأنها لا تجب الجماعة إلا على من يسمع النداء!!
ومن هنا كان تخصيص الوجوب بسماع النداء عليه ما عليه لكونه خاصاً بالأعمى لأنه لا يعرف دخول الوقت إلاَّ به!
وكان حرياً بالغامدي نقل هذا القول والإجابة عنه بما يقنع به العارفون من الفقهاء عند الكلام على حديث الأعمى.
ولما لم ينقل أقوال الفقهاء عنده كان عندنا بذلك أحد رجلين:
الأول: أن يكون رجلاً لم يُحط خبراً بالمسألة وبأقوال أهل الفقه فيها وإذا كان كذلك فبحثه لا يكون بعد ذلك محلَّ ثقة لا سيما وقد تكرر منه هذا الفعل ومنها تضعيفه لطرق حديث بأجمعها على أنَّ فيها ما هو صحيح الإسناد!! وقد تقدم بيان ذلك.
الثاني: أن يكون الرجل ليس بذاك الذي يؤتمن على نقله , وهمه , ومراده تقرير ما ذهب إليه سواء كان باطلاً أم غير ذلك.
وفي كلا هاتين الحالتين أنصح القراء بالتريث بما جاء به , حتى يكون أميناً في نقله!! أو مجتهداً في بحثه!!
وأما عن ما تعلق به الغامدي بكلام البيهقي في توجيه حديث الأعمى وهو أصله لأبي بكر بن إسحاق الفقيه! كما صرَّح بذلك البيهقي في السنن الكبرى نقلاً عن شيخه الحاكم من أن حديث الأعمى ليس فيه ما يدل على أن حضورها فرض وإنما أراد أن لا أجدلك رخصة تلحق فضيلة من حضرها فهو تأويل بعيد لكونه تحصيل حاصل , ولكونه مخالفاً لنصِّ الحديث فقد جاء في بعض طرقه قال: أتسمع الأذان قال: نعم قال: فأتها ولو حبواً وقد علق ابن حبان رحمة الله عليه في صحيحه (2063) على هذا النصِّ بقوله ( ... وقوله إئتها ولو حبواً) أعظم دليل على أنَّ هذا أمر حتم لا ندب إذ لو كان إتيان الجماعات على من يسمع النداء لها غير فرض لأخبره بالرخصة فيه لأن هذا جواب خرج على سؤال بعينه ومحال أن لا يوجد لغير الفريضة رخصة .. »
قلت وهذا الكلام على متانته , وحسنه وجودته , لم ينقله الغامدي لنا , ولا غيره من أقوال أهل العلم على الحديث , في الحين الذي نجده ينقل لنا قول أبي بكر بن إسحاق الفقيه!!
فلا أدري أهي غفلة منه عن الأقوال الأخرى؟! أم هو عدم الاعتداد بأقوالهم؟! أم هو عدم الأمانة في النقل وبحث المسألة بحيادية لا بانحيازية لقول منها والضرب بعرض الحائط للأقوال الأخرى!!
كتبه: أبو جابر عبدالله محمد الأنصاري
¥