أما ما فيه خلاف فهو الصفرة والكدرة: وقبل أن نذكر أقوال أهل العلم فيهما نعرفهما أولا:
فالصفرة: ماء أصفر كماء الجروح.
والكدرة: ماء ممزوج بحمرة وأحيانا يمزج بعروق. وقيل: ما هو بلون الماء الوسخ الكدر (43).
آراء أهل العلم فيهما:
1ـ أنهما ليسا بحيض مطلقا: واستدلوا بما ثبت عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا) (44).
ومعنى قولها: شيئا؛ أي شيئا من الحيض، وظاهر اللفظ العموم.
2ـ أنهما حيض مطلقا: ودليلهم ما ثبت عن علقمة عن أمه مولاة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض يسألنها عن الصلاة فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء .. ) (45).
وقالوا: إنهما خارجان من الرحم رائحتهما كريهة فيأخذان حكم الحيض.
3ـ إن كان في زمن العادة فهما حيض: ودليلهم على ذلك قول الله تعالى: [ويسألونك عن المحيض قل هو أذى] (46). فالصفرة والكدرة داخلة في عموم الآية، فهما حيض في زمن العادة، وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا لا تعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا) (47).
فهذا القيد الذي ذكرته أم عطية يدل دلالة واضحة على أن هذا الدم إن كان قبل الطهر فهو حيض أي في أيامه، وما عداها لا يكون حيضا وهذا هو الرأي الراجح؛ حيث إن الدلالة التي ساقها أصحابه هي التي يعول عليها في هذه المسألة.
مدة الحيض
أقله ــ أكثره:
لكي تنقطع المرأة عن العبادات وتلتزم بالأحكام المترتبة على الحيض عليها أن تعرف ما هي مدة الحيض التي في أثنائها تفعل ذلك ومتى تطهر فتعود لما تركت؟ لذا يجب على المرأة أن تعرف أقل الحيض وأكثره.
أولا: أقل الحيض:
اختلف الفقهاء في أقل الحيض اختلافا كبيرا، وسأجمل الخلاف مبينا القول الراجح بدليله:
الرأي الأول:
أقل مدة الحيض يومان والأكثر من الثالث، هو قول لأبي يوسف.
الرأي الثاني:
أقل مدة الحيض ثلاثة أيام بليلتيها المتخللتين بينهم، وهو رواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف.
الرأي الثالث:
أقل مدة الحيض ثلاثة أيام بلياليها، وهو قول أبي حنيفة (48).
الرأي الرابع:
لا تحديد لأقل الحيض فالدفعة واللمعة تعتبر حيضا في العبادة، وأما في العدة والاستبراء فيوم واحد، وهذا هو قول الإمام مالك وما عليه أصحابه (49).
الرأي الخامس:
لا حد لأقل الحيض ولا فرق في ذلك بين العبادة والعدة والاستبراء، وهذا هو قول ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال رحمه الله: (إن الله عز وجل علق بالحيض أحكاما متعددة في الكتاب والسنة، ولم يقدر لأقله بشيء أو يحده بحد ـ فالحيض لا حد لأقله ولا لأكثره، بل ما رأته المرأة عادة مستمرة فهو حيض وقد تحيض المرأة في الشهر ثلاث حيض وإن قدر أنها حاضت ثلاث حيض في
أقل من ذلك أمكن) (50).
الرأي السادس:
أقل الحيض يوم بلا ليلة، وهو قول بعض الشافعية ورواية عن الإمام أحمد.
الرأي السابع:
أقل مدة الحيض يوم ليلة.
دليل هذا الرأي من القرآن: قول الله تعالى [فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن] (51).
فالآية مطلقة لم تحدد وقتا لأقل الحيض وأكثره والرجوع في ذلك إلى العادة والعرف بين النساء، وثبت من عادة النساء أن أقل الحيض عندهن يوم وليلة.
ومن السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: (دم الحيض أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة) (52).
وهذه الصفة موجودة في اليوم والليلة، وبما أن أقل الحيض غير محدد شرعا فوجب فيه الرجوع إلى الوجود، وقد ثبت الوجود في اليوم والليلة (53).
ومن أقوال الصحابة: قول علي رضي الله عنه: (ما زاد على خمسة عشر استحاضة، وأقل الحيض يوم وليلة) (54).
ودليلهم من الوجود: أن الذي لا ضابط له في اللغة ولا في الشرع يرجع فيه إلى المتعارف
عليه بالاستقراء (55). وهذا هو الرأي الراجح لقوة أدلته. والله أعلم.
ثانيا: أكثر الحيض:
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن أكثر الحيض لا حد له حيث إن كل ما استقر عليه عادة
المرأة فهو حيضة (56).
وذكر الحنابلة والشافعية والمالكية بأن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
ما روي عن ابن عمر مرفوعا أنه قال: (النساء ناقصات عقل ودين) قيل: وما نقصان دينهن؟ قال: (تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي) (57).
¥