فلا بد أن يكون الانقطاع كبيرا فإذا وجد هذا الانقطاع وأمكن منه الصلاة والصيام والعبادة وجبت على المرأة لعدم المانع من وجوبها فإن ما تراه المرأة من نقاء بين الدمين حيض، كحال النظر إلى نصاب الزكاة، وذلك إذا كان هذا النقاء أقل من يوم.
والراجح أن الطهر إذا كان أقل من يوم وليلة فهو حيض أما إن كان يوما وليلة فهو طهر.
عاودها الدم في أثناء العادة أو بعدها
الحالة الأولى: عاودها الدم في أثناء العادة:
إن عاود الدم المرأة في عادتها ففيه قولان:
1ـ إنه من حيضها؛ لأنه صادف زمن العادة فأشبه ما لو لم ينقطع، وهذا مذهب الثوري والشافعي.
2ـ ليس بحيض، وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار ابن أبي موسى ومذهب عطاء؛ لأنه عاد بعد طهر صحيح فأشبه ما لو عاد بعد العادة.
وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله: إذا كانت أيامها عشرا فقعدت خمسا ثم رأت الطهر فإنها تصلي فإذا كان اليوم التاسع أو الثامن فرأت الدم صلت وصامت وتقضي الصوم، وهذا على سبيل الاحتياط لوجود التردد في هذا الدم.
فإن رأته في العادة وتجاوز العادة لم يخل من أن يعبر أكثر الحيض أو لا يعبر؛ فإن تجاوز أكثر الحيض فليس بحيض؛ لأن بعضه ليس بحيض فيكون كله استحاضة لأنه متصل به فكان أقرب إليه.
وإن انقطع لأكثره فما دون فمن قال: إن لم يعبر العادة ليس بحيض فهذا أولى ألا يكون حيضا (74).
ومن قال هو حيض ففيه ثلاثة أوجه:
1ـ أن جميعه حيض بناء على أن الزائد على العادة حيض ما لم يعبر أكثر الحيض.
2ـ ما وافق العادة حيض لموافقته العادة، وما زاد عليها ليس بحيض لخروجه عنها.
3ـ الجميع ليس بحيض ما لم يتكرر.
ويرى كثير من الفقهاء أنه ليس بحيض ولم يشترطوا التكرار، والراجح أنه حيض.
الحالة الثانية: عاودها الدم بعد العادة:
إذا طهرت المرأة ثم رأت بعد ذلك الدم ولم يجاوز أكثر الحيض كأن كانت عادتها سبعة أيام وطهرت وبعد يومين رأت الدم واستمر بها ولكن لم يجاوز أكثر الحيض فإن كان الدم بضمه إلى الدم الأول لا يكون بين طرفيها (**) أكثر من خمسة عشر يوما عند الجمهور وعشرة أيام عند الحنفية كان الكل حيضا واشترط الحنابلة التكرار.
وقيل: ليس بحيض بل الكل استحاضة.
ومثاله: لو كانت عادتها عشرة من أول الشهر فرات خمسة منها دما وطهرت خمسة ثم رأت خمسة دما، وتكرر ذلك فالخمسة الأولى والثانية حيضة واحدة نلفق الدم الثاني إلى الأول (75). وإن رأت الثاني ستة أو سبعة لم يمكن أن يكون حيضا؛ لأن بين طرفيها أكثر من خمسة عشر يوما وليس بينهما أقل الطهر.
وإيضاحا لما سبق أقول: إن المرأة لا تلتفت إلى ما رأته بعد الطهر فيما خرج عن العادة إلا بشرطين: تكراره، وإمكان جعله حيضا حتى يتكرر مرتين أو ثلاثا.
فإن تكرر وأمكن جعله حيضا فهو حيض، وإلا فلا وهذا هو الذي يظهر، والله أعلم.
غالب الحيض
إن غالب الحيض ستة أو سبعة أيام (76).
والدليل على ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: (تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة، ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوما أو ثلاثة وعشرين يوما كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن (77).
والحديث يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم رد المستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز إلى غالب عادة النساء وهي ستة أو سبعة أيام وهذا ما قال به العلماء (78).
وهذا نص يجب الوقوف عنده والأخذ به.
سبب الحيض
إن للرحم غشاء يبطنه من الداخل، ولا تزيد ثخانة هذا الغشاء عن نصف مليمتر وأوعيته الدموية وغدده بسيطة كذلك، فإذا ابتدأت دورة الرحم فإنه يمر بثلاث مراحل:
1ـ مرحلة النمو:
ينمو فيها الغشاء المبطن للرحم حتى يتضاعف حجمه أكثر من خمس مرات كما يزداد عدد الغدد وسبب هذا النمو هرمون تفرزه حويصلة جراف يسمى الإستروجين.
2ـ مرحلة الإفراز:
وفيها يزداد نمو الرحم ازديادا ملحوظا وتنمو الغدد الرحمية وتنمو الخلايا فيما بين الغدد، والسبب في ذلك إفراز هرمون البروجسترون من حويصلة جراف، وهذا الهرمون يجعل الرحم والجهاز التناسلي؛ بل جسد المرأة كله يستعد للحمل.
3ـ مرحلة الطمث:
إذا قدر الله ولم يحصل الحمل حزن لفقدان فرصته في أداء وظيفته وعبر عن هذا الحزن بنزول دم الحيض ويعتبر بمثابة البكاء حتى إنه من شدة حزنه ينزل هذا الدم أسود محتدما محترقا. وينزل هذا الدم محتويا على قطع من الغشاء المبطن للرحم مفتته (79).
¥