والراجح والله أعلم أن الموجب للغسل هو خروج الدم وأن الانقطاع شرط للصحة، وإرادة القيام إلى الصلاة ونحوها شرط للغسل على الفور.
لأن وجود الدم مانع من مباشرة العبادات فهذا هو سبب الحدث فيستقر الغسل في ذمتها ولكنها لا يمكن أن تؤدي هذا الغسل إلا بعد انقطاع دمها فيسمح لها بالاغتسال، ولكن لا على الفور وإنما يتأتى الفور إذا ترتب على عدم الغسل فوات واجب من الواجبات فحينئذ تبادر بالغسل مثل الصلاة، فإذا طهرت المرأة بالليل ولكنها أخرت الغسل سواء كان من جنابة أو حيض واغتسلت بعد طلوع الشمس وقضت الصلاة فإن ذلك حرام بالإجماع.
والواجب عليها أن تبادر بالغسل وتصلي قبل طلوع الشمس؛ لأن الصلاة لا يجوز إخراجها عن وقتها عمدا بالإجماع وأن ذلك من الكبائر، وإذا علم الزوج وسكت عن إنكاره فهو شريكها في الإثم إن كانت عالمة بالتحريم.
ولا عبرة بقول إحداهن: إنه لا يمكنها كمال التطهر في هذا الوقت، وهذا الكلام ليس بحجة ولاعذر؛ لأنه يمكنها أن تقتصر على أقل الواجب في الغسل من أجل أن تؤدي الصلاة في وقتها ثم إذا حصل لهذه المرأة وقت سعة اغتسلت الغسل الكامل.
كيفية غسل المرأة الحائض
تنوي ثم تسمي وتغسل يدها ثلاثا، وتغسل ما بها من أذى سواء أكان على الفرج أم على سائر البدن.
قال ابن مفلح في النية: تنوي رفع الحدث أو استباحة ما لا يشرع إلا به كقراءة القرآن ونحوها (118).
ثم بعد أن تغسل ما بها من أذى تتوضأ وضوءا كاملا ثم تحثي الماء على رأسها ثلاثا حتى تروي أصول الشعر، ثم تفيض الماء على بدنها ثلاثا وتبدأ بشقها الأيمن ثم الأيسر؛ وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في شأنه كله.
وأن تتعاهد معاطف البدن كالإبطين وداخل الأذنين والسرة وما بين الإليتين وأصابع الرجلين وغيره.
ثم تغسل قدميها مرة أخرى في مكان آخر (119).
فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أنه قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه (120).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثتني خالتي ميمونة رضي الله عنها قالت: (أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا ثم أدخل يده في الإناء ثم أفرغ به على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكا شديدا، ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه ثم أتيته بالمنديل فرده) (121).
وهذا هو الغسل الكامل، وغسل الحيض كغسل الجنابة تماما.
أما الغسل المجزئ:
فهو الذي لا بد منه لتحقيق إزالة الحدث، وإذا نقص عن الكيفية التالية لا يجزئ.
وكيفيته: أن تغسل ما بها من أذى وتنوي وتعم بدنها وشعرها بالماء (122).
هل يجب على الحائض أن تنقض ضفائرها عند الغسل
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
أحدهما: وهو قول الجمهور: أنه لا فرق بين غسل المرأة من الحيض وغسلها من الجنابة، وأنه لا يجب على المرأة نقض ضفائرها إذا وصل الماء إلى أصول الشعر (123).
واختلف أصحاب هذا الرأي فيما بينهم في إيصال الماء إلى باطن الضفائر والذوائب وما استرسل من الشعر؛ فمنهم من يرى أن ذلك واجب على المرأة، ومنهم من يرى أنه ليس بواجب.
القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل وقول الباجي من المالكية وابن حزم (124).
وقد فرق أصحاب هذا الرأي بين غسل الجنابة وغسل الحيض فأوجبوا على الحائض نقض شعرها في غسل الحيض، ولم يوجبوه في غسل الجنابة قائلين بأن نقض المرأة لشعرها في غسل الحيض ليس فيه مشقة؛ حيث إنه يحدث في الشهر مرة بخلاف غسل الجنابة الذي يتكرر كثيرا.
¥