تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والذي يظهر ـ والله أعلم ـ رجحان الرأي الأول؛ لأن أدلة الرأي الثاني ضعيفة وقد رد عليها الجمهور من عدة وجوه، فتبين أن غسل الحيض كغسل الجنابة وأن المرأة الحائض لا يجب عليها نقض شهرها إذا وصل الماء إلى أصول الشعر، فإن كان يوجد ما يمنع وصول الماء إلى الأصول وجب النقض؛ لما ثبت في صحيح مسلم رحمه الله عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، إني أشد شعرا أفأنقضه لغسل الجنابة والحيضة؟ قال: (لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) (125).

تطيب الحائض عند الغسل من الحيض

يستحب للمرأة عند الغسل من الحيض أن تستعمل السدر؛ وذلك لما روته أسماء: أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل الحيض فقال: (تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر ... ) (126).

وقد أوجب ذلك الميموني وابن عقيل (127).

والأصح أنه للاستحباب؛ حيث إن الأمر في الحديث للندب وليس للوجوب لأن الواجب في الغسل تعميم الجسد بالماء.

ويستحب للمرأة في غسل الحيض أن تتبع أثر الدم بمسك أو طيب؛ وذلك بأن تجعله على قطنة أو غيرها كخرقة وتدخلها فرجها، والنفساء كالحائض في ذلك (128).

قال الشافعي: (الحائض في الغسل كالجنب، إلا أني أحب للحائض إذا اغتسلت من الحيض أن تأخذ شيئا من مسك فتتبع به أثر الدم فإن لم يكن مسك فطيب) (129).

والمرأة تفعل هذا سواء كانت بكرا أم ثيبا أم عجوزا، ولا تفعله المحرمة لأن الطيب بأنواعه يمتنع عليها فتستعمل الطين، وأما المحدة فإنها تتبع أثر الدم بنحو أظفار (130).

فقد ثبت عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: قالت: (كنا ننهى أن نحد إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أو أظفار ... ) (131).

ومما يدل على استحباب المسك والطيب ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال: (خذ فرصة من مسك فتطهري بها)، قالت: كيف أتطهر؟ قال: (تطهري بها)، قالت: كيف؟ قال: (سبحان الله تطهري)، فاجتذبتها إلي فقلت: تتبعي بها أثر الدم (132).

فإن لم تجد المرأة مسكا فيستحب لها أن تستخدم الطيب، فإن لم تجد الطيب فتستخدم الطين وإلا فالماء يكفيها.

وقد اختلف العلماء في الحكمة من استعمال المسك: والصحيح المشهور أن المقصود من استعماله تطييب المحل ودفع الرائحة الكريهة ـ وليس لسرعة علوق الولد كما قال بعضهم.

قال النووي: (وأما قول من قال: إن المراد من استعمال المسك هو الإسراع في العلوق فضعيف باطل؛ فإنه على مقتضى قوله ينبغي أن يخص به ذات الزوج الحاضر الذي يتوقع جماعه في الحال وهذا شيء لم يصر إليه أحد نعلمه، وإطلاق الأحاديث يرد على من التزمه، بل الصواب أن المراد من استعماله تطييب المحل وإزالة الرائحة وأن ذلك مستحب لكل مغتسلة من الحيض أو النفاس سواء ذات زوج أو غيرها) (133).

أما وقت استعمال الطيب فعلى القول الصحيح من أن الحكمة من استعمال الطيب تطييب المحل فيكون بعد الغسل (134).

ومما يؤيد ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت يزيد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض فقال: (تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر وتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ قرصة ممسكة فتطهر بها) (135).

وحيث إن الحكمة من استعمال الطيب هي تطييب المحل وإزالة الرائحة الكريهة، فإذا استعملت المرأة في عصرنا الحاضر صابونا له رائحة طيبة أو أي مستحضر له رائحة فإنها تكون قد أصابت السنة؛ إذ يتحقق باستعمال هذه الأنواع ما يتحقق طيبة بالطيب بل قد تكون أكثر فاعلية منه حسب قوة رائحتها ونفوذها.

هل يجبر الزوج زوجته على الغسل من المحيض

لقد اتفق العلماء على أن الزوج المسلم له أن يجبر زوجته المسلمة على الاغتسال من الحيض.

واختلفوا فيما لو كانت الزوجة ذمية، فهل لزوجها المسلم إجبارها على الغسل من الحيض؟

قال الشافعية (136)، والحنابلة (137)، والمالكية (138) في رواية: إن الزوج المسلم له أن يجبر زوجته الذمية على الغسل من الحيض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير