أن قضاء الصلاة على الحائض فيه حرج عليها؛ وذلك لتكرر الصلاة في كل يوم وتكرر الحيض في كل شهر وهذا على عكس الصيام حسبما ذكرناه، والله تعالى يقول: [وما جعل عليكم في الدين من حرج] (252).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص للخائف أن يؤخر الصلاة؛ لقول الله تعالى: [فإن خفتم فرجالا أو ركبانا] (253).
وأرخص أن يصليها كيفما أمكنه سواء كان راجلا أو راكبا؛ لأن الله تعالى قال: [إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا] (254).
فكل من عقل الصلاة من البالغين يكون عاصيا بتركها إذا جاء وقتها وذكرها وكان غير ناس لها، ولما كانت الحائض بالغة عاقلة ذاكرة للصلاة قادرة عليها، فكان حكم الله عز وجل ألا يقربها زوجها حائضا، فدل حكم الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه إذا حرم على زوجها أن يقربها في الحيض حرم عليها أن تصلي كان في هذا دلائل على أن فرض الصلاة في أيام الحيض زائل عنها، فإذا زال عنها وهي ذاكرة عاقلة لم يكن عليها قضاء الصلاة، وكيف تقضي ما ليس بفرض عليها بزواله فرضه (255).
والنفساء تأخذ نفس الحكم في عدم قضاء الصلاة؛ لأنها تتفق مع الحائض في الأحكام الشرعية.
والمستحاضة تجلس غالب عادة نسائها والغالب كما جاء في الحديث ستة أيام أو سبعة أيام، كما قال صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: ( .. تحيض في علم الله ستا أو سبعا ثم اغتسلي .. ) (256).
وهي لا تقضي هذه الفترة من الصلاة التي لم تصلها فيها وذلك على الراجح، وأما غير هذه المدة فتجب عليها الصلاة في وقتها كما مر معنا سابقا.
2/الصيام:
الحيض يمنع الصيام على الحائض وكذلك النفاس يمنع الصيام على النفاس، والمستحاضة تترك الصيام مدة ما ينزل عليها فيه دم مادام أنه بصفات الحيض ثم تقضي هذا الصيام. وقد ذكرنا قبل ذلك أن الحائض والنفساء متفقان في ذلك، فما يقال في الحائض يقال في النفساء.
فالحيض يمنع صحة الصوم وجوازه، ولكن لا يسقط فرضه أي: إن الصوم باق في ذمتها وتقضيه (257).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليست إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل، قلن: بلى .. ) (258).
وعن معاذة أنها قالت: (سألت عائشة فقالت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بالحرورية، ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) (259).
ومن الإجماع:
فقد انعقد الإجماع على أن الحائض لا تصوم ولا تصلي ولم يحالف في ذلك أحد من المسلمين (260).
وقال في الروض المربع: يمتنع على الحائض والنفساء الصوم إجماعا (261).
ومن العقل:
قضاء الصوم على الحائض ليس فيه حرج لها؛ فالحيض لا يتكرر في الشهر إلا مرة واحدة، والصوم لا يجب في السنة إلا مرة واحدة (262).
فعلى هذا لو أفطرت المرأة عشرة أيام أو خمسة عشر يوما فلن تجد حرجا في قضائها في أحد عشر شهرا من مجموع اثني عشر شهرا في السنة.
الحكمة من منع الحائض من الصوم:
أن منعها من الصوم أمر تعبدي لا يعقل معناه؛ لأن الطهارة فيه ليست بشرط بدليل صحته من الجنب.
وقيل: إن خروج الدم من الحائض مضعف للبدن والصوم كذلك مضعف للبدن، خاصة وأن نزول دم الحيض تصحبه آلام للمرأة الحائض، فلو صامت مع الحيض لاجتمع عليها مضعفان.
والشارع ناظر لصحة الأبدان ما أمكن بجانب صحة الأديان (263).
وقت قضاء الصيام:
تقضي الحائض والنفساء والمستحاضة صوم رمضان في أي يوم من أيام السنة ويجوز تأخيره ما لم يأت رمضان آخر، ولا يجوز تأخيره لغير عذر أكثر من ذلك عند الحنابلة (264).
واستدلوا على ذلك بأن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يكون علي الصيام من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان .. ) (265)
قال ابن قدامة: لو كان التأخير جائزا أكثر من ذلك لفعلته السيدة عائشة رضي الله عنها (266).
وذهب الشافعية إلى: جواز التأخير مع الإثم لكن يجب عليها فدية التأخير عن كل يوم مد، وتتكرر الفدية بتكرر السنين ويجب مع الفدية القضاء (267).
واستدلوا بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدركه رمضان فأفطر لمرض ثم صح ولم يقضه حتى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه ثم يقضي ما عليه ثم يطعم عن كل يوم مسكينا) (268).
¥