قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وليس في السنة حديث صحيح صريح في منع الحائض من قراءة القرآن، ولها عنه عوض بالتهليل والتكبير والتسبيح والتحميد (278).
والنزاع ليس في قراءتها (**) للقرآن ولكن في مسها للقرآن.
ثانيا: مس المصحف:
لا يجوز لمن عليه حدث أكبر سواء كان جنابة أو حيضا، أو نفاسا أن يمس المصحف وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهرا) (279).
وهذا باتفاق الأئمة الأربعة، ولا يجوز ذلك إلا من وراء حائل ككيس ونحوه، لكن مسه مباشرة لا يجوز، أما كتب التفسير والفقه وغيرها فلا بأس من مسها والقراءة فيها؛ لأن منع الناس من مسها فيه مشقة وحرج عظيم على الناس.
5/المكث في المسجد والعبور منه:
يرى الشافعية: حرمة لبث الحائض والنفساء في المسجد، أما عبورها أو مرورها في المسجد من غير لبث فقد كرهه الشافعي (280).
ويرى الأحناف: أنه يحرم على الحائض والنفساء ومن في حكمهما دخول المسجد سواء كان للمكث فيه أو العبور.
وقالوا: إن سطح المسجد له حكم المسجد، وجوزوا للحائض والجنب دخول المسجد للضرورة وذلك إن كان في المسجد ماء ولا يوجد في غيره، أو إذا خافت الحائض سبعا أو لصا أو بردا أو إذا كان باب بيتها إلى المسجد ولا يمكنها تحويل بابها إلى غير المسجد ولا تقدر على السكنى في غيره (281).
وقال بعضهم: يجب التيمم للمرور في المسجد تعظيما له (282).
ويرى المالكية: حرمة دخول الحائض والنفساء المسجد المعد للصلاة، ولو كان غير جامع، وكذا مرورها فيه وقت نزول الدم أو بعد انقطاعه ولو بالتيمم حتى تطهر بالماء طهارة تصح بها الصلاة، وأجازوا لها دخوله والمكث فيه للضرورة كأن خافت على نفسها أو مالها من لص ونحوه (283).
ويرى الحنابلة: حرمة لبث الحائض في المسجد قبل انقطاع الدم (284)، ولو كان الليث بوضوء ومع أمن التلويث (285)، وقيل لا يحرم لبثها بالمسجد إذا كان بوضوء (286).
أما بالنسبة لمرور الحائض من المسجد فلهم في ذلك قولان.
1ـ لا تمنع من المرور منه وهو المذهب مطلقا (287) إذا أمنت التلويث، ويباح للحاجة، وغير ذلك لا يجوز.
2ـ تمنع من المرور إن خافت تلويث المسجد؛ لأن تلويثه بالنجاسة محرم والوسائل لها حكم المقاصد (288).
ويرى الظاهرية: جواز دخول الحائض والنفساء المسجد، وقال بهذا أيضا المزني وابن المنذر (289).
ويترجح لي ــ والله أعلم ــ قول من قال بحرمة مكث الحائض والنفساء في المسجد وجواز مرورها منه للحاجة إن أمنت التلويث (*).
6/الوطء والمباشرة والاستمتاع:
لقد بينا سابقا حكم النفساء والمستحاضة بالنسبة للوطء والاستمتاع، ونبين هنا حكم الحائض فيها:
الوطء: أجمع الفقهاء على أنه يحرم على الزوج وطء زوجته الحائض في الفرج، واستثنى الحنابلة من به شبق بشرطه وهو الذي لا تندفع شهوته بدون الوطء في الفرج ولا يوجد عنده ثمن أمة (290) (*).
الاستمتاع: لقد أجمع العلماء على أنه يجوز للزوج أن يباشر زوجته قيما دون الفرج، وله أن يفعل معها ما شاء فوق السرة وفيما تحت الركبة بالوطء أو المعانقة أو اللمس أو النظر أو غيرها، فعن ميمونة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيض (291).
ولا حرج أن ينام الرجل مع زوجته الحائض في لحاف واحد، ويؤاكلها ويشاربها ويجالسها، ولكن يحرم عليه أن يجامعها بعد انقطاع دمها قبل الاغتسال؛ لأن في ذلك تنزها عن مخالطة النجاسات، أما إذا انقطع دمها وأرادت الاغتسال وفقدت الماء فتيممت جاز له وطؤها على الراجح.
والحائض إذا انقطع دمها ولم تغتسل يبقى كل شيء على تحريمه بالنسبة لها إلا الصيام والطلاق.
7/أحكام الطلاق:
حكم النفاس الحيض في الطلاق، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا) (292).
والنفساء ليست طاهرا، والصحيح أن طلاق النفساء ليس بحرام؛ لأن النفاس لا دخل له في العدة وإذا كان ذلك كذلك فإن طلاقها في النفاس أو بعده على حد سواء لأنها ستشرع في العدة من حين الطلاق لأن عدتها متيقنة وهي الأقراء، والحكم في الحديث السابق خاص بالطلاق في الحيض دون النفاس فلا ينطبق عليه (293) (*).
طلاق الحائض:
أجمع الفقهاء على أن طلاق الحائض المدخول بها طلاق بدعي محرم مخالف للسنة (294).
وهو أن يطلقها في طهر جامعها فيه أو يطلقها وهي حائض وهو محرم لما يأتي:
¥