أنت إذا قرأتَ في القرآن، أو في السُّنَّة وقد عرفت قواعد اللغة العربية، قد تكون قراءتك فيها شيء منَ اللحن، ولا يتقوَّم لسانك بهذا، لكن أنت تفهم الفاعل من المفعول، من الحال من التمييز، من غيرها، ولكل كلمة في موقعها معنى خاص، فلا ييْئَس من قرأ النحو على الجادة من المتن، الطبقة الأولى إلى الثانية إلى الثالثة، إلى أن ينتهي من هذا العلم، ويقول: أنا واللهِ ما استفدت شيئًا، ومع الأسف فإننا نجد هذا اليأس في نفوس كثيرٍ من طلاب العلم، ونقيم بعض الدروس في اللغة العربية، ونجد بعض الكبار يتخلَّف عنها، نقول له: لماذا؟ يقول: والله ما أستطيع، حضرت الدرس وما استفدت!
يا أخي، لا تستطيع أن تفرِّق بين التمييز والحال، قال: كتابةً أعرب لك؛ ولكن ما أنطق، قيل: ما يلزم يا أخي، أنت إذا لم تستفد الفائدتين، فلا تَفُتْك هذه الفائدة العظمى، وأنت بهذا تفهم الكلام؛ كلام الرب - جلَّ وعلا - وكلام النبي - عليه الصلاة والسلام - وكلام أهل العلم، ولا يمكن أن يزهد طالب العلم في علم العربية إلا إذا زهد في علوم الكتاب والسنة؛ لأنها بلسان العرب، بلسان عربي مبين.
فعلى الإنسان أن يحرصَ على هذا أشدَّ الحرص، وبعضهم يقول: نفهم كلام الله - جل وعلا - دون هذا التعقيد الذي في كتب النحو، فقل: يا أخي، علم النحو لا يحتاج إلى تعقيد، ما يحتاج تقرأ في "أوضح المسالك" [16]، كتاب معقد لا تقرأ فيه، تكتفي بالآجرومية والقطر، وما كتب عليهما، إن سمتْ همتُك إلى الألفية فبها ونعمت، وإلا فأنا أضمن لك أن تتقن العربية بهذين الكتابين مع شروحهما.
فبعض الأحكام الشرعية يتغيَّر الحكمُ فيها تبعًا لتغيُّر الإعراب، ومُثِّل لهذا بحديث:
1 - ((ذكاة الجنين ذكاةُ أمِّه)) [17]، وبعضهم يرويه: ((ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه))، فما الفرق؟
يقولون: ((ذكاة الجنين ذكاةُ أمه)) برفع الجزأين، قلنا: إن ذكاة الجنين هي ذكاة أمه، فلا يحتاج إلى تذكية، وبهذا قال الجمهور، لكن إذا قرأنا بالرواية الأخرى؛ النصب: ((ذكاة الجنين ذكاةَ أمه))، قلنا: منصوب على نزع الخافض، والتقدير: كذكاة أمه [18]، فيلزم أن يذكَّى مثل ذكاة أمه، وبهذا يقول الحنفية [19].
تغيَّر الحكم أو لم يتغيَّر؟ تغيَّر الحكم.
2 - وأعظم من ذلك قول الأصمعي وجمع من أهل العلم: إنَّ الذي يلحن في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - يُخشَى عليه أن يدخل في قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((من كذَب عليَّ مُتَعَمِّدًا، فلْيَتَبَوَّأ مقعده من النار)) [20].
إذا قلت: ((إنما الأعمالَ بالنيات)) [21]؛ يعني: أنت قلتَ على الرسول - عليه الصلاة والسلام - ما لم يقله، إذا قلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمالَ بالنيات)) فالرسول ما قال هذا الكلام؛ إنما قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيات))، فنهتم لهذا الأمر.
فطالب العلْم إذا تعَلَّم النَّحْو ولَمْ يتعلَّم الصرف، فإنه بذلك يقع في حرَج كبيرٍ، فالصرف لا بد منه، لكن لا يعني ذلك أننا نقرأ "الشافية" [22] وشروح الشافية، لكنَّنا نقتَصِر على المُختصرات في هذا الفن.
يحتاج طالب العلم أيضًا إلى علم البيان، وعلم البديع، وعلم المعاني، يحتاج إليها حاجة شديدة ماسة.
يعني كيف نستخرج إعجاز القرآن بغير هذه العلوم؟ لا بد أن نقرأ هذه العلوم؛ لكي نعرف قيمةَ هذا الكتاب العظيم الذي تُحدِّي به العرب، بعض الناس يقرأ القرآن وكأنه كلام عاديٌّ، وهذا العمل ليس بصحيح؛ بل إذا عرف هذه العلوم وقرأها، وجد أن القرآن لا يضاهيه أدنى مضاهاة أيُّ كلام، والعرب الفُصَحاء تَحَدَّاهم الله - جل وعلا - أن يأتوا بمثله [23]، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله [24]، ثم بسورة من مثله [25]، ولكن هل من الممكن أن يُتحدى العرب أن يأتوا بآية؟ ما حصل، هذا التحدي بآية ما حصل، لكن آية تعادل أقصر سورة يمكن أن يتحدى بها، أما مجرد آية؛ مثل: ? ثُمَّ نَظَرَ ? [المدثر: 21]، ? مُدْهَامَّتَانِ ? [الرحمن: 64]، فالعرب لا يعجزون أن يقولوا: ثم نظر؛ لذا لَم يحصل التحدِّي بآية.
¥