تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالنَّفس فيها صراع في أول الأمر، لكن هذه مرحلة امتِحان، فإذا صبرتَ واحتسبت الأجْر من الله - جلَّ وعلا - وأخلصت وصدقت اللجوء إليه، لا شك أنك تكون في نعيم، في جنة، لا يدركها أمثال هؤلاء، كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله - وكما قال من قبله، يعني هم في جِنان، لو يعلم بها الملوك لجالدوهم بالسيوف.

مثلاً عطاء بن أبي رباح [32] كان مُبتلًى بعللٍ كثيرة، بتشويه خلقي وعلل في جميع أطرافه، وفي لونه، وفي شكله، وفي وجهه، وإذا جلس في المسجد الحرام، الملوك كأنهم أطفالٌ بين يديه، فما الذي رفع هذا؟ بِمَ رُفع مثل هذا؟ رُفع بالعلم، فإذا أدركتَ مثل هذه الأمور، وقرأت ما أعدَّ الله - جل وعلا - للعلماء العاملين في كتابه وسنة نبيِّه - عليه الصلاة والسلام - لا شك أنك سوف تنسى كلَّ ما يتلذَّذ به الناس من أمور دنياهم.

يعني في العام الماضي والذي قبله، أيامَ سوق المساهمات، فقدْنا بعض طلاب العلم، أين فلان؟ قالوا: والله انشغل بالمساهمات، وكان من الملازمين للدروس في جميع الأوقات، في النتيجة حصل ما حصل، يعني يا الله عاد حسب الأرباح والخسائر، ماذا خسر هذا الذي ترك الدروس؟ وما الذي خسره من ترك الأسهم؟ أعرف بعض طلاب العلم انشغلوا بهذا، نسوا العلم، والله إننا نختبرهم في بعض المسائل الصغيرة التي كانوا يُقرِئونها الطلاب، ويساعدون الشيخ في تقريرها، نسوها، وبعضهم نسي القرآن، وبعضهم يصلي صلاة ببدنه، وليس للقلب فيها أي نصيب، يعني ماذا خسر هذا الشخص في مقابل حطام الدنيا؟ خسر شيئًا عظيمًا، بينما الذي لزم الدروس، وأدرك من العلم ما أدرك، وإذا ذهب إلى صلاته فهو مرتاح مُقبل على ربه، فهذا ما فاته شيء.

الدنيا - الحمد لله - مقدور عليها، لكن من الخاسر في الحقيقة؟ ? قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ? [الزمر: 15]، الخسران في القيامة، وليس في الدنيا، قد يخسر الإنسان، قد تصيبه ضائقة مادية، قد يشتغل في تجارة ويخسر، لكن ليس هذا.

وَكُلُّ كَسْرٍ فَإِنَّ الدِّينَ يَجْبُرُهُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَمَا لِكَسْرِ قَنَاةِ الدِّينِ جُبْرَانُ [33] http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فعلى الإنسان أن يُقبِل على ما خُلق من أجله، حَصِّل هذا الهدف، ثم بعد ذلك ? وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ? [القصص: 77] التي تستعين بها على تحقيق هذا الهدف، أما أن تجعل الدنيا هي الهدف، وقد رأينا من عوام المسلمين، والآن بعض علماء المسلمين - مع الأسف - وبعض طلاب العلم من ينطبق عليه: ((تعس عبدُ الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس وانتكس - نسأل الله العافية - وإذا شيك فلا انتقش)) [34].

نعرف من دهاة عوام المسلمين من تأتيهم بضائع من الشرق والغرب، ويخبرك بأسعارها وفوائدها في لحظة، ما يحتاج آلات، أفضل من الآلات، وأسرع من الآلات، لكن لا يعرف يقص أظافره، وإذا أصابتْه شوكة يطلب من يسعفه، وهذا حاصل بالفعل، فما هو بخيال؛ إنما هذا حاصل بالفعل، ولبس الساعة سنين ثم خلعها ولم يعرفها، ومع ذلك يخبرك عن أمور الدنيا بدقة.

فالمسلم مخلوق لتحقيق هدف: ? وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ? [الذاريات: 56]، تحقيق العبودية، ومع ذلك هذه العبودية تحتاج إلى شيء من الدنيا، فينتبه لشيء من دنياه، كما قال الله - جل وعلا -: ? وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ?.

الحال الآن في وضْع المسلمين العكس تمامًا، كأنما خُلقوا للدُّنيا، ويحتاجون إلى من يقول لهم ويتعاهدهم: "ولا تنْسَ نصيبك منَ الدِّين"!

فعلى الإنسان أن ينتبه لنفْسه قبْل فوات الأوان، والآن أكثر الحضور - ولله الحمد - من الشباب، الذين هم في عصر الإمكان.

الكلام عن الكتب، وترتيب الكتب، وماذا يقرأ، وماذا لا يقرأ، فهناك أشرطة سُمِّيَت: "كيف يبني طالب العلم مكتبته"، وهذه موجودة في الأسواق، لسنا بحاجة إلى الكلام عليها مرة أخرى، العلم، وطالب العلم، والعالم، والذين أوتوا العلم قد رفعهم الله درجات، ? يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ? [المجادلة: 11].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير