تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهل الدرجات عشرون سنتيمترًا مثل درج الدنيا؟ لا، الدرجة الواحدة ما بين السماء والأرض [35]، و"درجات" بصيغة الجمع، ما هي بدرجة، ولا بدرجتين، ولا كذا، فتنبه لِمِثْل هذا الأمر، هذا بالنسبة للعلم، هذه كلمة مختصرة.

بالنسبة للعمل، يوجد في صفوف طلاب العلم - مع الأسف - من يأخذ العلم مجردًا، ويشكو من عدم ثباته في نفسه، ينسى العلم، نقول لك: يا أخي، اعمل بهذا العلم، ثم بعد ذلك فإنه يثبت، والعلم - كما يقول علي رضي الله عنه -: "يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل" [36].

وكم مِنْ شخصٍ تعلَّم من العلوم الشيء الكثير، ثم بعد ذلك في النهاية نسي، لماذا؟ لأنه لا يعمل، العلم النظري المجرد لا يثبت، فلو أنَّ إنسانًا أخذ مُصنفًا مِنْ ثلاثمائة صفحة - مثلاً - في تعلُّم قيادة السيارة، في تفكيك المكينة، وتفكيك كذا، يعني أخذ كلَّ ما يتعلق بالسيارة، وقرأ الكتلوجات القديمة والحديثة وكذا، لكنه ما باشر ما معه، فماذا يتعلم هذا الشخص؟

لا بد من العمل، فالعمل يثبت به العلم، والأعمال متاحة في شرعنا - ولله الحمد - كثيرة جدًّا، يعني بعض الناس قد يصعب عليه ويشق عليه أن يساعد الناس ببدنه، نقول: يا أخي، ساعد الناس، وابذل ما تستطيع برأيك، مثلاً: إذا جاء أحدُ الناس يستشيرك فأعطه النصيحة.

العمل الخاص الذي لا يتعدى، صيام النوافل، قيام الليل، الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، الذي صار الناس بأمسِّ الحاجة إليه الآن، فالمنكرات الآن في محافل المسلمين تزيد، ولا بُدَّ من التعاوُن على إزالتها وإنكارها، لكن بطُرُق تترتَّب عليها المصلحة، ولا يترتب عليها أدنى مفسدة [37].

والإنسان - ولله الحمد - في هذا البلد لا يوجد أحدٌ يمنعه من أن يقول لشخصٍ رآه في طريقه إلى المسجد: صلِّ يا أخي، صلِّ جزاك الله خيرًا، الآن الإقامة قربت، والمسجد قريب، وقد سمعتَ الأذان، ولا عذر لك، ورأس مالِك الصلاة، أعظم أركان الإسلام، هل يوجد أحد يمنعه من هذا؟ يرى شبابًا يلعبون كرة يقول لهم: صلُّوا، يرى صاحب محل مفتوح بعد الأذان، يقول له: أغلق.

ولو أن الناس تتابعوا على الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وتعاوَنوا عليه، ما وجدْنا هذا التساهلَ الموجود في أسواق المسلمين ومحافلهم، فالاهتمام بهذا الشأن هو مِن أهم المهمَّات وأولى الأولويات بالنسبة لجميع المسلمين؛ لأنَّ الرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول: ((مَن رأى منكم منكرًا، فلْيُغيره بيده، فإن لَم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) [38]، واللسان - ولله الحمد - مستطاع، بالأسلوب المناسب الذي لا يترتَّب عليه مفاسد.

هذه الأمَّة، إنما فُضِّلت على غيرها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شأنُه عظيم، لماذا لُعن بنو إسرائيل؟ ? كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ? [المائدة: 79]، كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه، هذا هو السبب [39]، فإذا وجدنا المنكر ولم ننكره، لا يعني هذا أن نأخذ عصًا ونضرب هذا، لا، أبدًا، الشرع - ولله الحمد - جعل لك فسحة، لا تستطيع أن تغيِّر بيدك - وكل إنسان في بيته يستطيع التغيير بيده - ومن له ولاية على شيء يستطيع التغيير بيده، لكن إذا لم يستطع، فالخيار الثاني التغيير باللسان، وهذا مقدور عليه في بلادنا - ولله الحمد - وليس مانع، ولا يوجد من يمنع من التغيير باللسان إذا لم يوجد هناك مشكلةٌ، أو مفسدة أعظم من هذا التغيير.

المقصود أن علينا أنْ نَتَكاتَف على هذا المرفق العظيم، وننوء بالحمل مع إخواننا الرسْميين، ولعل الله - جلَّ وعلا - أن يدفعَ عنَّا، فالمنكرات لا شك أنها سببٌ لمقْت الله وغضبه، وفي الحديث الصحيح: أنهلِك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثُر الخبث)) [40]، عندنا صالحون كثر - ولله الحمد - عندنا علماء عاملون، وعندنا دعاة وقضاة، وعندنا أخيار، وعندنا زهَّاد، وعندنا عُبَّاد، لكن الخبث كثر؛ فيخشى علينا، ولا نستطيع أن نردَّ هذا الخبث إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولذلك قدِّم على الإيمان: ? كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ? [آل عمران: 110]، فقدّم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان، والأمرُ بالمعروف والنهي عن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير