"هذا إسناد صحيح، وقد احتج مسلم والبخاري بإبراهيم السكسكي، واذا صح مثل هذه الاستقامة؛ لم يضره توهين من أفسد إسناده ".
ثم ساقه من طريق عبدالله عن مسعر عن إبراهيم السكسكي قال حدثني أصحابنا عن أبي الدرداء أنه قال ... فذكر موقوفاً نحوه. وقال:
"هذا لا يفسد الأول، ولا يعلله؛ فإن ابن عيينة حافظ ثقة، وكذلك عبدالله ابن المبارك ".
قلت: وسكت عن الحديث الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/ 208)!
ولي هنا ملاحظات لا بد لي من ذكرها:
أولاً: قول البزار: "والصحيح موقوف "!
فأقول: لا وجه لهذا التصحيح؛ فقد رأيت أن مدار المرفوع والموقوف على (إبراهيم السكسكي)؛ فإن كان حجة؛ فالأمر كما قال الحاكم: الموقوف لا يفسد المرفوع؛ لأن الإسناد إليه بكل منهما صحيح. فتأمل!
ثانياً: تصحيح الحاكم والذهبي وابن شاهين لإسناده؛ فيه نظر قوي! ذلك؛ لأن (السكسكي) وإن أخرج له البخاري؛ ففيه كلام من قبل حفظه، يمنع من الحكم على إسناده بالصحة. أما الحسن فيمكن، قال الذهبي نفسه في "الميزان ":
"كوفي صدوق، لينه شعبة والنسائي، ولم يترك، قال النسائي: ليس بذاك القوي. وخرج له البخاري. وقال أحمد: ضعيف. وقال ابن عدي: لم أجد له حديثًًاً منكر المتن ".
وقال في "الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد" (ص 55):
"لينه شعبة، وضعفه أحمد، حديثه حسن ".
وقال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق، ضعيف الحفظ "؛ وانظر "إرواء الغليل " (2/ 12)؛ فإن له فيه حديثًاً صححه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود.
ثالثاً: قول الحاكم: "وقد احتج به مسلم "! خطأ لعله من بعض النساخ؛ فإن المنقول عن الحاكم خلافه؛ فقد ذكر الحافظ في ترجمة (السكسكي) هذا من كتابه "مقدمة الفتح " (ص 388):
"قال الحاكم: قلت للدارقطني: لم ترك مسلم حديثه؟ قال: تكلم فيه يحيى
ابن سعيد. قلت: بحجة؟ قال: هو ضعيف ".
رابعاً: ومع هذا كله؛ فإن في سكوت الحافظ عن الحديث ما يشير إلى تقويته، وذلك في مرتبة الحسن، كما في عبارة ابن شاهين المتقدمة، وهذا عند الحافظ: لذاته، أو لغيره، وهو الأقرب عندي؛ فقد ذكر له البيهقي شاهداً من
رواية واصل بن أيوب الأسواري عن أبي هريرة موقوفاً عليه.
والأسواري هذا لم أجد من ذكره؛ ولا السمعاني في هذه النسبة.
وكذلك أشار إلى تقويته الحافظ المنذري أيضاً في "الترغيب " (1/ 109/14) بتصديره إياه بقوله: "وعن .. "، وسكوته أو إقراره لتصحيح الحاكم وابن شاهين، وذكر له شاهداً من حديث أنس رضي الله عنه، وقد خرجته في الكتاب الآخر برقم (5038)، مع بيان ضعفه، وإعلال الهيثمي إياه. وأما هذا فقد قال فيه (1/ 327):
"رواه الطبراني في " الكبير"، والبزار، ورجاله موثقون، لكنه معلول "!
قلت: يشير إلى الخلاف في رفعه ووقفه، وفي توثيق إبراهيم السكسكي، وقد حررت القول في ذلك كله، وتبيين- إن شاء الله تعالى- صوابه من خطئه.
ثم لا بد لي بهذه المناسبة من كلمة حول هذا الحديث وما فيه من الفقه، فأقول:
ليس يخفى على أهل العلم أن الأذان شعيرة من شعائر الإسلام، وأنه قد جاء في فضله أحاديث كثيرة معروفة في "الصحاح " و "السنن " وغيرها، وإنما قصدت هنا تخريج هذا من بينها لسببين اثنين:
أحدهما: تحقيق الكلام في إسناده، والنظر في الذين صححوه؛ هل أصابوا أم أخطؤوا؟! ثم الحكم عليه بما تقتضيه القواعد العلمية الحديثية من صحة، أو حسن، أو ضعف، وقد فعلت، راجياً من الله تعالى أن أكون قد وفقت للصواب الذي يرضيه عز وجل.
والآخر: التذكير بما أصاب هذه الشعيرة الإسلامية من الاستهانة بها، وإهمالها، وعدم الاهتمام بها، وتعطيلها في بعض المساجد التي يجب رفع الأذان فيها من
مؤذنيها، اكتفاءً بأذان إذاعة الدولة التي يذاع بواسطة الكهرباء من مكبرات الصوت المركبة على المآذن في بعض البلاد الإسلامية، وبناءً على التوقيت الفلكي، الذي لا يوافق التوقيت الشرعي في بعض الأوقات، وفي كثير من البلاد، فقد علمنا أن الفجر يذاع قبل الفجر الصادق بنحو ربع ساعة أو أكثر، يختلف ذلك باختلاف البلاد، والظهر قبل ربع ساعة، والمغرب بعد نحو عشر دقائق، والعشاء بعد نصف ساعة! وهذا كما ترى يجعل بعض الصلوات تصلى قبل الوقت الشرعي مما لا يخفى فساده، والسبب واضح، وهو الجهل بالشرع؛ والاعتماد على علم الفلك حساباته التي تخالف الشرع؛ الأمر الذي صيّر المؤذنين الذين قد يؤذنون في
¥