[كيف نقرأ سور القرآن؟.]
ـ[المسيطير]ــــــــ[16 - 08 - 10, 05:24 م]ـ
كيف نقرأ سُوَرَ القرآن؟
د. عصام بن صالح العويد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
القرآن حدائق ذات بهجة، فإذا أتممت سورة وبدأت بأخرى فقد انتقلت من شجرة يانعة الثمرة إلى شجرة تشبهها بثمرة تختلف عنها، وإذا انتقلت من حزب إلى حزب فمِن حديقة غنّاء إلى روضة أخرى، فـ (السبع الطوال) و (ذوات الراء) (المسبحات السبع) و (الطواسيم) و (ذوات الم) و (الحواميم) و (المفصل) لكل حزب لونه الخاص به، ولكل سورة طعمها الذي يميزها عن غيرها، فتذوقها برفق وحاذر الهرس! والجرش! فهو سبب التخمة والملل.
وهذا التنزيل العظيم هو مأدبة الله في الأرض، والناس حولها ثلاثة أصناف: جائع محروم منها، وسقيم يأكل وقد فقد حاسة الذوق فلم يتهنَّ بها، ومعافى رأى على مأدبة الكريم (114) مختلفاً ألوانها فأصبح يطعم برفق وأدب كاملين، وفي فمه مع كل (سورة) منها طعم وذوق وعِطر هو لها، ولأختها من سور القرآن غيرها،
فكيف نتذوق لذة القرآن ونميز حلاوة كل سورة في القرآن عن حلاوة أختها؟.
أولاً / ليكن بين يديك دائماً عند القراءة تفسير مختصر كالتفسير الميسر أو زبدة التفسير أو الجلالين أو المصباح المنير أو السراج في غريب القرآن لـ د. الخضيري ونحوها.
طالعه إذا استغلق المعنى عليك أو شككت فيه أو عنّ في ذهنك لطيفة تبغي التحقق من سلامة موردها.
ثانياً / أحضر قلبك وحركه بالقرآن، فإن شرد فقف والحق به، ستتعب في البداية وسيذعن لك في النهاية، وقد أطلت في بيان ضرورة ذلك في رسالة (فن التدبر) فلا اُطيل عليك هنا، لكنْ لتكن على يقين أنه ضرورة كضرورة الروح للجسد.
ثالثاً / اجعل نفسك طَرَفاً ثم ظرْفاً لخطاب ربك، اجعل القرآن مرآة نورانية ترى فيها أقوالك وأفعالك، فهذا يُعطّر وهذا يُغسّل وهذا يُقص وهذا يُصفّف وهذا يُعالج وهذا يُبتر إن لزم الأمر، وهكذا.
مرتّ بك آية البقرة (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) 27
فعندئذٍ تتذكر الرحم هل وصلتها أو قطعتها؟
مرة بك آيات التوحيد والإخلاص والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكلام الحسن وغض البصر وتحريم الزنا والربا والعقوق والكذب والهمز والغيبة ... ،
فتقف هنا لتعرض نفسك عليها آية آية وكأنك تتهيأ للحساب والعرض الأكبر يوم القيامة.
رابعاً / قبل أن تبدأ بالسورة تأمل في اسمها أو أسمائها فهو مفتاحها الذي تدخل به إليها، وقد قال ابن القيم في زاد المعاد (2/ 307): لَمّا كَانَتْ الْأَسْمَاءُ قَوَالِبَ لِلْمَعَانِي، وَدَالّةً عَلَيْهَا، اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا ارْتِبَاطٌ وَتَنَاسُبٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْنَى مَعَهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيّ الْمَحْضِ الّذِي لَا تَعَلّقَ لَهُ بِهَا، فَإِنّ حِكْمَةَ الْحَكِيمِ تَأْبَى ذَلِكَ وَالْوَاقِعُ يَشْهَدُ بِخِلَافِهِ بَلْ لِلْأَسْمَاءِ تَأْثِيرٌ فِي الْمُسَمّيَاتِ وَلِلْمُسَمّيَاتِ تَأَثّرٌ عَنْ أَسْمَائِهَا فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَالْخِفّةِ وَالثّقَلِ وَاللّطَافَةِ وَالْكَثَافَةِ كَمَا قِيلَ:
وَقَلّمَا أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ ذَا لَقَب ... إلّا وَمَعْنَاهُ إنْ فَكّرْتَ فِي لَقَبِهِ
وَلَمّا كَانَ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ وَالْمُسَمّيَاتِ مِنْ الِارْتِبَاطِ وَالتّنَاسُبِ وَالْقَرَابَةِ مَا بَيْنَ قَوَالِبِ الْأَشْيَاءِ وَحَقَائِقِهَا، وَمَا بَيْنَ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَامِ عَبَرَ الْعَقْلُ مِنْ كُلّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ كَمَا كَانَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ يَرَى الشّخْصَ فَيَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اسْمُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ فَلَا يَكَادُ يُخْطِئُ .. . الخ كلامه رحمه الله،
وهذا إن كان في غير القرآن فما بالك بالقرآن العظيم الذي أسماء سورة إما بنص كتابٍ أو سنةٍ معصومة أو إجماعِ صحابةٍ أو استفاضةٍ في الأمة.
¥