تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[صلاتك ... حياتك]

ـ[أبو مالك العقرباوي]ــــــــ[27 - 08 - 10, 06:36 ص]ـ

قيمة كلِّ إنسان، بقيمة ما صنع في حياته، وإذا أردت أن تعرف أعظم شيءٍ يُفعل في الحياة، فابحث عن أعظم شيء في حياة أعظم رجل، وأيُّ حياة في تاريخ البشرية، هي أعظم من حياة محمّد صلى الله عليه وسلم؟ وهل أشرقت على البشرية شمس حياةٍ، أعظم من شمس حياته؟ ولقد كان أعظم شيء في حياته هي الصلاة، ولهذا قال: (جعلت قرة عيني في الصلاة).

ولاريب أنَّ حياةَ كلِّ إنسان بأسرها، هي في الحقيقة مجموع الساعات التي قضاها في الصلوات، وغيرها من أوقات الحياة لاقيمه له، إلاَّ ماكان تابعا لهذا الوقت، وثمرة من ثماره، ولهذا جاءت النصوص أنَّ كلَّ الأعمال الصالحة إنما هي ثمرات الصلاة، فلولا الصلاة ما انقادت الجوارح لعمل صالح، ولا اجتنبت العمل الطالح، ولهذا جاء في الحديث (أول مايحاسب به العبد يوم القيامه الصلاة، فإن صلحت صلح له عملُه، وإن فسدت فسد عملُه) روه الضياء المقدسي وغيره

ومن هنا كانت الصلوات لايكفّر الخطايا مثلها، كما قال تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إنَّ الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) وحديث: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لايبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهنَّ الخطايا) متفق عليه، وفي الحديث (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهنّ .. الحديث) متفق عليه

وما جُعل للوضوء ما جُعل من تكفير الذنوب، إلاَّ من أجل أنه مفتاح الصلاة، وما جُعلت خطوات المصلي إلى المسجد كفارةً لخطاياه، إلاَّ لأنها خطوات إلى الصلاة، كما في حديث مسلم: (ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يارسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد،وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط).

وقد ذكر ببعض العلماء أنَّ سبب كراهية النبيِّ صلى الله عليه وسلم السمر بعد العشاء، لأنَّ الصلوات إلى العشاء تكفّر خطايا اليوم، فكره أن يكونَ في حديثه بعد العشاء ما قد يدنّس النفس بالذنب قبل أن ينام، كذا أراد أن يعلّم أمته، وهو ـ بأبي وأمي ـ العبدُ الشكور، الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أتقى الناس، وأعبدهم لله، وأنزههم عن الخطايا.

ومما ورد عن السلف في فقه هذا المعنى: عن إبراهيم بن بشار قال سمعت سفيان يقول: (تكلمت بشيء بعد العشاء الآخرة فقلت ما ينبغي لي أن أنام على هذا، فقمت فتوضأت وصليت ركعتين، واستغفرت، وما قلت هذا لأزكي نفسي، ولكن ليعمل به بعضكم)

وعن القاسم بن أبي أيوب قال: (كان سعيد بن جبير يصلي بعد العشاء الآخرة أربع ركعات فأكلمه، وأنا معه في البيت فما يراجعني الكلام)

فصلاتك أيها العبد هي حياتُك، وينقص من فائدة حياتك بقدر ما أنقصت من صلاتك، ويُزاد من بركة حياتك بقدر ما تهتم بصلاتك، وما سوى ذلك تابع، والتابع تابع، فتمسك بهذه فإنها مفتاح التوفيق الأكبر.

وهذه هي الحقيقة الدينية العظمى التي تخفى على أغلب الناس، وهي بالنسبة للأمَّة كما هي بالنسبة للفرد سواء، فالأمَّة كلَّما أقامت الصلاة أُقيم لها أمرُها، والعكس بالعكس، ولهذا جاء الربط في النصوص بين إقامة النظام السياسي، وإقامة الصلاة، وعلَّق النبيُّ صلى الله عليه وسلم تغيير النظام بتركه إقامة الصلاة، والسبب أنَّه إذا أضاع الصلاة فهو لما سواها أضيع، وإذا أضاع الدين فلا قيمة لنظام يضيع الدين، والحال أنَّ الولايات السياسية برمتها لم تشرع في الإسلام إلاّ لإقامة الدين، فإذا ضّيّع الدين فقدت شرعيَّتها!

ولهذا أيضا جاء الربط بين وحدة الأمة وعنايتها في الصلاة، ومن هنا أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم ـ كما في حديث الجماعة ـ أن اختلاف المصلين في صفوفهم يثمر إختلافَ وجوههم، قال النووي: (معناه يوقع بينهم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب)، وفي الحديث أنه كان صلَّى الله عليه وسلم يسوّي صفوف الصحابة في الصلاة كأنما يسوّي به القداح، وذلك أنَّ أي اختلاف في الصدر الأول سيورث في الأمّة كلَّها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير