تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان من جواب شَيْخ الإِسْلامِ لهم أنه أحضر أكثر من خمسين كتاباً من كتب المذاهب الأربعة وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين كلها توافق ما في الواسطية وبعضها ينقل إجماع السلف على مضمون تلك العقيدة.

وتحداهم رحمه الله قائلاً:

"قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاث سنين فإذا جاء بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة .. يخالف ما ذكرت فأنا أرجع عن ذلك"

قال: "ولم يستطع المنازعون مع طول تفتيشهم كتب البلد وخزائنه أن يخرجوا ما يناقض ذلك عن أحد من أئمة الإسلام وسلفه" (2).

فهل يريد الأشاعرة المعاصرون أن نجدد التحدي ونمدد المهلة أم يكفي أن نقول لهم ناصحين:

إنه لا نجاة لفرقة ولا لأحد في الابتداع، وإنما النجاة كل النجاة في التمسك والاتباع ...

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها…إن السفينة لا تجري على اليبس

تبين مما تقدم أن الأشاعرة فرقة من الثنتين وسبعين فرقة، وأن حكم هذه الفرق الثنتين وسبعين هو:

1 - الضلال والبدعة.

2 - الوعيد بالنار وعدم النجاة.

وهذا مثار جدل كبير ولغط كثير ممن يجهلون مذهب أهل السنة والجماعة في الوعد والوعيد، إذ ما يكادون يسمعون هذا حتى يرفعوا عقيرتهم بأننا ندخل الأشاعرة النار ونحكم عليهم بالخروج من الملة -عياذاً بالله-.

ونحن نقول: إنه لا يصح تفسير ألفاظ أو إطلاقات مذهب السلف في الوعد والوعيد إلا من خلال أقوالهم هم، وعلى الذين يجهلونه أن يستفصلوا قبل أن يتسرعوا بادعاء التكفير.

- موقف أهل السنة من ألفاظ الوعيد ونصوصه:

وهذا موجز لمذهب السلف في ألفاظ الوعيد ونصوصه:


(1) انظر تفصيل المناظرة في مجموع الفتاوى (ج:3).
(2) انظر المصدر السابق: (169، 217).
(1/ 39)

1 - فمن ألفاظ الوعيد "الضلال" وهو ليس مرادفاً للكفر بإطلاق إلا عند من يجهلون أوضح بدهيات العقيدة، فإذا أطلق على أحد من أهل القبلة فالمراد به المعصية في الاعتقادات كما أن لفظ "الفسق" يطلق على المعصية في الأعمال.
مع أن الضلال والفسق يطلقان على الكفر أيضاً كما في قوله تعالى: ((وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً)) [النساء:116] وقوله: ((وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ)) [البقرة:99].
لكن إذا كانت كلمة الكفر نفسها تطلق في الأحاديث ولا يراد بها الكفر الأكبر المخرج من الملة كما في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" فكيف بلفظتي الفسق والضلال اللتين دون ذلك في الوعيد.
والقرآن -على الصحيح- لم يأت فيه إطلاق الكفر إلا على الكفر الأكبر المخرج من الملة، أما الضلال فورد فيه بمعنى الانحراف عن الحق والصواب مطلقاً غير وروده بمعنى الكفر كما سبق.
ومن ذلك قوله تعالى: ((وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)) [الأحزاب:36] ومعلوم أنه ليس كل عاص كافراً.
وقوله تعالى عن أصحاب الجنة المذكورين في سورة القلم: ((فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ)) [القلم:26] وهم لم يشهدوا على أنفسهم بالكفر.
وقوله تعالى: ((أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)) [البقرة:282] أي تخطئ فتذكرها الأخرى.
والحاصل أن قولنا: إن الأشاعرة فرقة ضالة يعني أنها منحرفة عن طريق الحق ومنهج السنة، ولا يعني مطلقاً خروجها عن الملة وأهل القبلة، وهذا يتضح بالفقرة التالية.
2 - نصوص الوعيد ومنها قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كلها في النار إلا واحدة} لها منهجها المنضبط في مذهب السلف عند الإطلاق وعند التعيين.
(1/ 40)

فنحن نعلم جميعاً أن الله توعد قاتل النفس التي حرم الله والزاني وآكل مال اليتيم بالنار بصريح القرآن، لكن هل يعني هذا أن كل قاتل وزانٍ وآكل مال يتيم يدخل النار قطعاً، وأننا لو رأينا أحداً منهم بعينه يجوز لنا أن نعتقد دخوله النار؟
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير