تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التقليد بين تقديس المتمذهِبين وتشويه المتكلمين.

ـ[علي الفضلي]ــــــــ[31 - 07 - 07, 10:33 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

التقليد بين تقديس المتمذهِبين وتشويه المتكلمين:

الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبِه ومَن استنَّ بسنَّتِهم واهتدى بهديِهم إلى يوم الدين ...

أما بعد: فسأتحدث هنا – بإذن الله تعالى – عن محورَين نجد فيهما مفارقاتٍ جسيمة في مواقف الناس من «التقليد».

المحورُ الأول: تقديسُ المتمذهِبين للتقليد:

مصطلحُ «التقليد» يُرادُ به في أصول الفقه: قبولُ قول الغير بلا حجةٍ ولا دليل (1)، والأصوليون يدرسونه من زوايا عدة، تشمل بيانَ أقسامه، ومواضعه، وأحكامَه، وشروطَه.

وهو نوعان: عام، وخاص.

فالعام: أن يلتزمَ مذهباً معيَّناً يأخذُ بِرُخَصِه وعزائمِه في جميع أمور دينه.

وهذا هو الذي يُراد بالتقليد إذا أطلِق، فالمقلِّدُ هو المتمَذهِبُ بمذهبٍ معيَّن، وغيرُ المقلد: مَن لا يلتزمُ مذهباً معيناً، بل يلتزمُ الدليلَ أينما كان ومع مَن كان.

والتقليدُ بهذه الصورة لم يكن في عصر الصحابة، ولا في عصر التابعين، بل حدثَ في عصر أتباع التابعين، وانتشر بعد ذلك.

وقد أسهَمت عواملُ عديدةٌ في انتشارِه، حتى ظَنَّ البعضُ أن الإسلامَ مرتبِطٌ بالتمذهُب، وأن المسلمَ لا بد أن يكون في تعبِّده لله تعالى ملتزماً لمذهبٍ من المذاهب الأربعة المعروفة.

ومن هذا الباب صرَّحَ كثيرٌ من العلماء من أتباع المذاهبِ بكون باب الاجتهاد قد أُقفل بعد عصر الأئمة الأربعة، وبذلك حجَّروا واسعاً، وتقوَّلوا على الله تعالى دون أن يستندوا إلى قواطع الشرع.

وقد تفنّنَ أتباعُ المذاهب في إثبات أحقِّيَّةِ هذا المذهبِ أو ذاك، واستدلُّوا لذلك بما لا يُغني ولا يُسمِنُ من جوع.

ولم يكتفِ كثيرٌ منهم بذلك، بل تعدَّى على مَن يلتزمُ الدليل ولا يقلِّدُ مذهباً معيَّناً، فاتَّهَمَه بالتعالُم، والخروج على مذاهب المسلمين، وأنه ممن يستخِفُّ بالأئمة ... إلى غيرها من الشتائم التي تُوَجَّه إلى مَن يدعو إلى اتباع الكتاب والسنة، ونبذِ ما خالفهما، سواء في العقائد، أو في الأحكام.

وقد وصلَ الأمرُ ببعضِ هؤلاء فألَّفَ رسالةً أسماها: «اللَّامَذهَبية: أخطَرُ بدعةٍ تُهَدِّدُ الشريعة الإسلامية».

ومن الواضح: مدى تقديس هؤلاء للتقليدِ حتى بهذه الصورة التي لم ينزل الله بها من سلطان، فالالتزامُ بمذهبٍ معيَّنٍ في جميع أمور الدين: من البدع المحدثةِ بعد القرون المشهودِ لها بالخيرية، ولذلك قال شيخُ الإسلام: (إنّ في القولِ بوجوب التقليد – بهذا المعنى – طاعة غير النبيِّ في كل أمرِه ونهيِه، وهو خلاف الإجماع).

ويقول أيضاً: «إنه متى اعتقدَ أنه يجبُ على الناس اتباعُ واحدٍ بعينه من هؤلاء الأئمة الأربعة دون الآخر: فإنه يجب أن يُستَتاب ... بل غايةُ ما يُقال: إنه يسوغ، أو ينبغي، أو يجب على العامي أن يقلِّدَ واحداً لا بعينه، من غير تعيين زيدٍ ولا عمرو» (2).

فلا شكَّ «أنّ هذا القولَ من أبطل الباطل؛ لأن هذا يستلزمُ أن تكون دلالاتُ الكتاب والسنةِ الآن مقفَلة، فالكتابُ والسنةُ للأممِ السابقة، أما المتأخرون: فقد أُقفِلَ عنهم بابُ الاستدلال، مع أن الكتاب والسنةَ هدًى وبيان للناسِ من بعثة الرسول ونزولِ هذا الهدى إلى قيام الساعة، ويقولُ الرسولُ: «وقد تركتُ فيكُم ما إن تمسّكتُم به: فلن تضلُّوا بعدي؛ كتاب الله» (3) (4).

والتقليدُ بهذا المعنى لا شك أنه مذمومٌ، ومع ذلك نرى تقديسَ المتمذهِبين له بإيجابهم له على أنفسِهم وعلى الآخرين، وبنبذِ مخالفيهم في ذلك بشتى التهم التي لا أساسَ لها.

هذا جانبٌ من مواقف الناس مع «التقليد»، وهو تقديسُه حتى ولو كان على هذه الصورة المذمومة.

المحور الثاني: تشويهُ المتكلمين للتقليد:

أما الصورة الأخرى من مواقف الناس من «التقليد»: فهو موقف المتكلمين بشتى طوائفهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير