تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ترجم الإمام مسلم لحديث أبي هريرة السالف الذكر بقوله: " وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة " أهـ.

وذكر في نفس الباب أيضاً، حديث ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية ((

والسؤال: تبويب مسلم للأحاديث بمفارقة الجماعة ((وفارق الجماعة ((هل يدخل فيه الخوارج أم لا؟

نترك الجواب لأبي داود:

أخرج أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)) (8).

ترجم له أبو داود فقال: " باب الخوارج ".فهذا دال على أن الخوارج داخلون في هذا المعنى، بل هم أولى من تحقق به.

وقال صاحب عون المعبود ـ في حديث التارك لدينه المفارق للجماعة ـ

فقوله (المفارق للجماعة صفة مؤكدة للتارك لدينه، قال النووي: وهو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام.

قال العلماء: ويتناول أيضاً كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غيرها، وكذا الخوارج ((9) أهـ.

إذن فصفة الخوارج في كلام النبي صلى الله عليه وسلم:

شهر السيف ووضعه في المسلمين.

ومفارقة الجماعة.

والثاني من لوازم الأول.

فإن قيل فهذا قد يشترك فيه غير الخوارج من العداة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟.

فالجواب: يضبط هذا ارتباطه بتكفير الخوارج للراية التي تعلو الدار، ثم التكفير لعموم الدار، والاستحلال العام للدار تبعاً لذلك، كما فعل الخوارج الأول مع علي رضي الله عنه، فهذا هو المميز لهم عن غيرهم من العداة؛ فخروجهم على الأمة بأسرها؛ إذ ليست القضية المميزة لهم في خطأ حكمهم على الراية التي تعلو الدار، إنما القضية المميزة في تعدية حكمهم على الراية إلى الدار، بحيث تصبح غير ممنوعة بعهد ولا إسلام. وهذا وضع السيف في الناس، وهو الاستحلال العام للدار، والذي من صوره استعمال ما يعم بالقتل في بلاد المسلمين، كاستعمال التفجيرات التي هي في معنى الإغارة والتبييت.

وبكل حال لم يأت في نصوص النبي صلى الله عليه وسلم ضبط وصفهم بالتكفير بالكبائر كالزنا والسرقة والقذف ونحو ذلك.

ولم يأت في صفة الخوارج الأول أنهم استحلوا الدار تبعاً لذلك. بل هم استحلوا الدار تبعاً لتكفيرهم علي رضي الله عنه ومن كان على رأيه، ومن ثم استحلوا عموم الدار، فقتلوا وأغاروا على سرح الناس يعني ماشيتهم السائمة.

وهذا الوجه وحده كاف في حسم القضية بما لا مزيد عليه.

ومن باب التأكيد نقول:

الوجه الثاني: إن التكفير بالكبيرة كالزنا والسرقة والقذف ونحو ذلك غير منضبط عند الخوارج فلا يصلح وصفاً جامعاً لطوائفهم فارقاً بينهم وبين غيرهم وهذا من طرق:

الطريق الأول: أن النجدية من أكبر فرق الخوارج، لا يرون التكفير بالكبيرة، قال أبو الحسن في وصف قول الخوارج في أصحاب الكبائر: " وأجمعوا أن كل كبيرة كفر إلا النجدات، فإنها لا تقول بذلك " (10) أهـ.

ومما يضبط حقيقة مذهب النجدات ويؤكده في هذه المسألة، ما ذكر البغدادي فيما اجتمع عليه الخوارج الأولون قال: " وقد اختلفوا فيما يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها، فذكر الكعبى في مقالاته أن الذى يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها إكفار علي وعثمان، والحكمين، وأصحاب الجمل، وكل من رضى بتحكيم الحكمين، والإكفار بارتكاب الذنوب، ووجوب الخروج على الإمام الجائر.

وقال شيخنا أبو الحسن الذى يجمعها إكفار علي وعثمان وأصحاب الجمل، والحكمين ومن رضى بالتحكيم، وصوب الحكمين أو أحدهما، ووجوب الخروج على السلطان الجائر. ولم يرض ما حكاه الكعبى من إجماعهم على تكفير مرتكبى الذنوب.

قال البغدادي: والصواب ما حكاه شيخنا أبو الحسن عنهم، وقد أخطأ الكعبى في دعواه إجماع الخوارج على تكفير مرتكبى الذنوب منهم، وذلك ان النجدات من الخوراج لا يكفرون أصحاب الحدود من موافقتهم.

وقد قال قوم من الخوارج: إن التكفير إنما يكون بالذنوب التي ليس فيها وعيد مخصوص، فأما الذى فيه حد أو وعيد في القرآن فلا يزاد صاحبه على الاسم الذى ورد فيه مثل تسميته زانياً وسارقاً ونحو ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير