لقد اعتاد أهل الشام ومصر والعراق والمغرب العربية فأصبحوا عربا وترك أهل خراسان العربية فعادوا فرسا كما كانوا ومعهم من يساكنهم من الأصول العربية. لكن رغم مرور الزمن وتغير اللغات وتبدلها لا زالت العربية على حالها فقد حفظها الله بالقرآن، في حين تغيرت اللاتينية وتفرعت عنها عدة لغات رغم جهود الكنيسة من أجل الحفاظ عليها فلم يعد لرجال الدين أنفسهم دراية بها، ولازالت اللغات تتبدل وتتغير رغم اختراع المطابع التي حدت شيئا ما من هذا التغير، فتجد للفرنسية مثلا معاجم للقرن 14 ومعاجم للقرن 15 ... وبالأمس القريب كانت الأنجليزية لكن اليوم هناك أنجليزية وأمريكية. ورغم جمالية اللغة العربية وبنائها المنطقي تجد حاليا أبناءها معرضون عنها وظهرت حركات هنا وهناك مدعومة بالصهيونية تدعو إلى نبذ العربية وتبني بعض اللهجات كلغات رسمية، لأنها لغة الآباء والأجداد، فإن كانت اللاتينية لم تصمد فمن يضمن أن هذه اللهجات هي نفسها التي استعملها الأجداد؟ ومن يضمن أن العربية كانت لتصمد بدون القرآن؟ فأين هم الشعراء من عامة أعراب الجزيرة العربية وعربها؟
لذلك فالعربية هي لغة الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية هي حضارة عربية.
ولا تعارض مع أحكام الدين حين نسمي المغرب العربي فلا عبرة بالأنساب في هذا الحكم.
اعتياد الخطاب بغير العربية مكروه ومعرفتها فرض واجب
من كتاب اقتضاء الصراط لابن تيمية:
وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه
ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية وارض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم وهكذا كانت خراسان قديما ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم ولا ريب أن هذا مكروه
وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب فيظهر شعار الإسلام وأهله ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب عليه.
واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق
وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
ثم منها ما هو واجب على الأعيان ومنها ما هو واجب على الكفاية
وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أما بعد فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي
وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم
وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله
ـ[العيساوي منصور]ــــــــ[12 - 07 - 07, 10:08 ص]ـ
لا أعلم لم لا يتم التعاطي مع هذا الموضوع المهم، الذي يجهله الكثير من المسلمين؟
مفهوم العربي، هل هو مفهوم عرقي أو مفهوم ثقافي؟
وكما تبين من كلام شيخ الإسلام أنه أمر ثقافي، كما يحدث حاليا في الغرب أنهم يجنسون كل من يتقن لغتهم، مما يجعل ثقافتهم تسود وكذلك حضارتهم، فتجد المبدعين بالأنجليزية من كل الأجناس، وهو أمر يجعلنا نراجع أنفسنا وما نحن عليه من التغريب وهجران لهذه اللغة التي جعلها الله سبحانه وتعالى لغة القرآن وشعار الإسلام.
فهل الذي يعتقد بأن العروبة في الإسلام عرق ودماء تجري هو أكثر عروبة من صاحب صناعة النحو: سيبويه، والفارسي من بعده، والزجاج من بعدهما، وكلهم عجم في أنسابهم، وغيرهم من الذين قاموا بحفظ العلم وتدوينه؛ من حملة الحديث وعلماء أصول الفقه وحملة علم الكلام وأكثر المفسرين؟
وهل العالم الذي يدرس بلغة أجنبية علما من العلوم ولا يحمل هم ترجمة ما يعلمه إلى العربية يعتبر عربيا وإن كان نسبه كذلك؟