مذهب الأشعري، وحملوا في أيام مواليهم كافة الناس على التزامه، فتمادى الحال على ذلك جميع أيام الملوك من بني أيوب، ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك، واتفق مع ذلك توجه أبي عبد الله محمد بن تومرت أحد رجالات المغرب إلى العراق، وأخذ عن أبي حامد الغزاليّ مذهب الأشعريّ، فلما عاد إلى بلاد المغرب وقّام في المصامدة يفقههم ويعلمهم، وضع لهم عقيدة لقفها عنه عامّتهم، ثم مات فخلفه بعد موته عبد المؤمن بن عليّ الميسيّ، وتلقب بأمير المؤمنين، وغلب على ممالك المغرب هو وأولاده من بعد مدّة سنين، وتسموا بالموحدين، فلذلك صارتّ دولة الموحدين ببلاد المغرب تستبيح دماء من خالف عقيدة ابن تومرت، إذ هو عندهم الإمام المعلوم، المهديّ المعصوم، فكم أراقوا بسبب ذلك من دماء خلائق لا يحصيها إلاّ اللّه خالقها سبحانه وتعالى، كما هو معروف في كتب التاريخ، فكان هذا هو السبب في اشتهار مذهب الأشعريّ وانتشاره في أمصار الإسلام، بحيث نُسي غيره من المذاهب، وجُهل حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه، إلاّ أن يكون مذهب الحنابلة أتباع الإمام أبي عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل رضي اللّه عنه، فإنهم كانوا على ماكان عليه السلف، لايرون تأويل ماورد من الصفات، إلى أن كان بعد السبعمائة من سني الهجرة، اشتهر بدمشق وأعمالها تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحكم بن عبد السلام بن تيمية الحرّانيّ، فتصدّى للانتصار لمذهب السلف وبالغ في الردّ على مذهب الأشاعرة، وصدع بالنكير عليهم وعلى الرافضة، وعلى الصوفية .. ) اهـ.
وكلام المقريزي هنا يبين وقت وسبب انتشار المذهب الأشعري، وأنه كان بسبب فرضه على الناس، إلى حد قد يصل في بعض الأحايين إلى القوة والقتل كما حصل من ابن تومرت لما حكم المغرب والأندلس. وحصل مثله لشيخ الإسلام ابن تيمية، فقد أوذي وسجن بسبب تبيينه لمنهج أهل السنة والرد على المخالفين.
وأما ما يتعلق بعوام المسلمين، فلا ريب أنهم إن تُركوا من غير تلقين فإنهم على الفطرة السليمة، وعلى اعتقاد السلف وأهل الحديث، لا يعرفون أصول الكلام، ولا تأويل الصفات، ولا شيئاً من ذلك. ولا يمكن لأحد أن يدّعي خلاف ذلك إلا أن مكابرةً.
فلا يعرف العامي إلا أن الله في السماء على عرشه فوق خلقه، لا يعرف ما يقوله الأشاعرة من أنه ليس داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق ولا تحت.
ولا يعرف العامي إلا ان الله يتكلم، وأنه كلم موسى فسمع موسى كلام الله، لا يعرف الكلام النفسي الذي هو: أمر ونهي وخبر واستخبار.
ولا يعرف العامي إلا أن الله يحب التوابين، ويبغض الكافرين، ويرضى عن الطائعين، ويسخط على العاصين، لا يعرف أن هذه الصفات كلها راجعة إلى الإرادة.
ولا يعرف العامي إلا أن الله أقدر العبد على الفعل، وجعل له إرادة لها تأثير فيه، لا يعرف الكسب الذي هو اقتران القدرة الحادثة بالقدرة القديمة، وأن الحادثة لا تأثير لها في الفعل البتة.
وسل إن شأت جماعات المسلمين يخبروك بحقيقة الحال.
فدعوى أن الأشعرية هو المذهب الذي يدين به عامة الأمة ودهماؤها، دعوى باطلة جملة وتفصيلاً.
نقلا من كتابه قبل صدوره وقبل إضافات الشيخ عليه.
ـ[الاحسائي]ــــــــ[24 - 07 - 07, 12:08 ص]ـ
لا أظن أن حامل الحق وهو مستيقن به لا يضره مثل هذه الأمور , حتى ولو أن الناس كلهم كفر بالله تعالى.
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[24 - 07 - 07, 12:29 ص]ـ
وهذه أسباب أخرى أدت إلى انتشار مذهب الأشاعرة ذكرها الشيخ عبدالرحمن المحمود في كتابه القيم "موقف ابن تيمية من الأشاعرة "وذكرها غيره
1 - نشأة المذهب في حاضرة الخلافة العباسية «بغداد»، ولا شك أن أنظار الناس في شتى الأقطار تتجه في الغالب إلى دار الخلافة، ففيها الفقهاء والمحدثون والمقرئون، كما أنها من أهم البلدان التي يرحل إليها العلماء ليسمعوا الروايات أو يحدثوا فيها بمروياتهم، فلما نشأ المذهب الأشعري في بغداد وهي على هذه الحالة كثر المتلقون لهذا المذهب، الناقلون له إلى كل مكان، وهذا – مثلا – بخلاف مذهب الماتريدي الذي نشأ في زمن الأشعري لكنه كان في بلاد ما وراء النهر فلم ينتشر كانتشار المذهب الأشعري ().
2 - تبني بعض الأمراء والوزراء لمذهب الأشاعرة واحتضان رجالهم له، ومن أبرز هؤلاء:
¥