تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. احتج به من أجاز الصلاة على غير الأنبياء، وهذا مما اختلف العلماء فيه؛ فقال مالك والشافعي رحمهما الله تعالى والأكثرون: لا يصلى على غير الأنبياء استقلالا، فلا يُقال: اللهم صل على أبي بكر أو عمر أو علي أو غيرهم، ولكن يصلى عليهم تبعا، فيُقال: اللهم صل على محمد وآل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته، كما جاءت به الأحاديث، وقال أحمد وجماعة: يُصلى على كل واحد من المؤمنين مستقلا، واحتجوا بأحاديث الباب، وبقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم صل على آل أبي أوفي، وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليهم. قالوا: وهو موافق لقول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ). اهـ

ثالثاً: ما معنى (آل محمد)؟

اختُلِف فيها على خمسة أقوال.

الصحيح أنها عامة إذا أُطلقت، فإذا قال المُصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم:

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.

فإن (آل) تشمل أقاربه وأصحابه وأتباعه على دينه.

أما إذا قرن الـ (آل) بالصّحب، فيدلّ الـ (آل) على المؤمنين من قرابته صلى الله عليه وسلم، والصّحب يدلّ على أصحابه رضي الله عنهم.

قال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله:

والآل أي آله صلى الله عليه وسلم، وهم أتباعه و أنصاره إلى يوم القيامة، كما قيل:

آل النبي همو أتباع ملته **** على الشريعة من عجم ومن عرب

لو لم يكن آله إلا قرابته **** صلى المصلى على الطاغي أبي لهب

و يدخل الصحابة في ذلك من باب أولى، و يدخل فيه أهل بيته من قرابته و أزواجه وذريته من باب أولى وأولى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا ذُكِر " الآل" وحده فالمرادُ جميعُ أتباعه على دينه، ويدخلُ بالأولويَّة مَنْ على دينه من قرابته؛ لأنهم آلٌ من وجهين: من جهة الاتِّباع، ومن جهة القَرابة. وأما إذا ذُكِرَ معه غيرُه فإنَّه يكون المرادُ بحسب السِّياق، وهنا ذُكِرَ الآلُ والأصحابُ ومن تعبَّد، فنفسِّرُها بأنهم المؤمنون من قرابته؛ مثل عليِّ بن أبي طالب، وفاطمة، وابن عبَّاس، وحمزة، والعبَّاس، وغيرهم.

قوله: "وأصحابِه" جمع صَحْب، وصَحْبٌ اسم جمعِ صاحبٍ، فأصحابه: كُلُّ من اجتمع به مؤمناً به، ومات على ذلك، ولو لم يَرَهُ، ولو لم تَطُل الصُّحبةُ. اهـ

ومثله لفظ (السلام)

قال عليه الصلاة والسلام: إذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، قال: فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. رواه البخاري ومسلم.

إلا أن الصحيح أن الصلاة على غير النبي استقلالاً تُكره؛ لأن ذلك من شعار أهل البدع، كالرافضة الذين يُصلّون على الأئمة دون غيرهم.

وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

هل يجوز أن يُصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يُقال: اللهم صل على فلان؟

فأجاب رحمه الله:

الحمد لله قد تنازع العلماء هل لغير النبي أن يُصلى على غير النبي مفرداً؟ على قولين:

أحدهما: المنع، وهو المنقول عن مالك والشافعي واختيار جدي أبى البركات.

والثاني: أنه يجوز، وهو المنصوص عن أحمد واختيار أكثر أصحابه، كالقاضي وابن عقيل والشيخ عبد القادر، واحتجوا بما روي عن علي أنه قال لعمر: صلى الله عليك، واحتج الأولون بقول ابن عباس: لا أعلم الصلاة تنبغي من أحد على أحد إلا على رسول الله، وهذا الذي قاله ابن عباس لما ظهرت الشيعة وصارت تظهر الصلاة على عليّ دون غيره، فهذا مكروه منهي عنه كما قال ابن عباس، وأما نُقل عن علي، فإذا لم يكن على وجه الغلو، وجعل ذلك شعاراً لغير الرسول، فهذا نوع من الدعاء وليس في الكتاب والسنة ما يمنع منه، وقد قال تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة تُصلي على أحدكم مادام في مصلاه الذي فيه ما لم يُحدث، وفى حديث قبض الروح: صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، ولا نزاع بين العلماء أن النبي يُصلى على غيره، كقوله: اللهم صل على آل أبى أوفى، وأنه يُصلِّي على غيره تبعاً له، كقوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. والله أعلم.

وقال في موضع آخر:

وذهب الإمام أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك (الصلاة على غير النبي)؛ لأن عليّ بن أبى طالب رضي الله عنه قال لعمر بن الخطاب: صلى الله عليك، وهذا القول أصحّ وأولى، ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعليّ أو غيره بالصلاة عليه دون غيره مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم بحيث يجعل ذلك شعاراً معروفا باسمه: هذا هو البدعة. اهـ.

والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير