تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الملك جل جلاله (2)]

ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[19 - 11 - 07, 05:35 ص]ـ

[الملك جل جلاله (2)]

* بقلم / ماجد بن أحمد الصغير

الحمد لله رب العالمين، الإله الحق، والرب الحق، والملك الحق.

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد.

ففي الحلقة الماضية كان الحديث عن معرفة اسم الله الملك، وشيء من معانيه وآثار معرفة ذلك.والحديث يتواصل في هذه الحلقة عن بقية الآثار الإيمانية.

فمن الآثار الإيمانية: اليقينُ الكامل والاعتقاد الجازم بأن الله مالك كل شئ - يدفعُ المؤمن أن يتوجه، ويفزع إليه في حاجاته، ورغائبه، فهو سبحانه المالك لخزائن السموات والأرض، وخزائنه لا تنقضي من العطاء، وهو مع ذلك لا يتبرم بالدعاء، بل يحب من عباده أن يدعوه، ويرغبوا إليه ليعطيهم؛ بل إنه يستحي سبحانه أن يرد السائل خائباً صفراً؛ إنه سبحانه يحب إجابة الدعوات، وتفريج الكربات، ومغفرة الزلات، وتكفير السيئات، ونصرة المظلوم، وجبر الكسير. إن من عرف ذلك عرف أين يتجه، وممن يطلب، وعلى من يعتمد، فهو سبحانه على كل شيء قدير، يخلق مايشاء، ويفعل مايريد والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.

ومن الآثار الإيمانية: أن ملوك الدنيا - على جلالتهم، وإحاطتهم بأسباب القوة -، والمنعة يستغنون عن كل شيء، لكنهم لايستغنون عن الله طرفة عين؛ لأنهم فقراء إلى الله،فقراء إلى رحمته، وتوفيقه ومغفرته؛ لهذا ترى الموفق منهم يضع جبهته لصاحب الملك الحقيقي - الله جل جلاله- الذي خضعت له الجباه، وذلت له الأنوف، وانحنت له الرقاب. ومنهم من اغتر بملكه وسلطانه وبات في ملكه مسروراً به وإنما بات بالأحلام مغروراً كما قيل عن الأول:

من بات بعدك في ملك يسرُ به ... فإنما بات بالأحلام مغروراً.

ومن الآثار الإيمانية: أن على المؤمن بالله إذا عرف أن ربه هو الملك الحق كان عليه أن يتقدم بين يديه بكل طاعة وتوقير، وأن يحذر من كل تجاوز وتقصير؛ فإن الملك لا يرضي أن يقترب من حماه قال صلى الله عليه وسلم «ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه» رواه البخاري ومسلم. فإذا كان الملوك يحمون الأرض التي لهم بسياج ويحيطونها بحمى، فلا يدنو منها أحد، فمن اقترب منها أو تجاوزها فقد عرض نفسه للعقوبة البالغة إذ كيف يتجاوز حدود الملك ويُستهان بملكه. والله سبحانه هو الملك الحق أحاط حرماته بحدود من تجاوزها فقد ظلم نفسه، وقد خاب من حمل ظلماً فليحذر المؤمن من تجاوز حدود الله، أو الاقتراب من حماها، فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

ومن الآثار الإيمانية: أن من عرف ربه المتفرد بالملك، أبى أن يذل لمخلوق، وأن يتوجه إليه بالقصد؛ لأن إظهار الافتقار إلى الله والتبرؤ من الحول والقوة هو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية، وهي لا تليق إلا لمن له الملك الحقيقي. فمن كانت له حاجة عند مخلوق فليجأ إلى الله ليسيرها ويقضيها فإنه سبحانه مالك الأرواح وبيده النواصي زمامها وخطامها في يديه، وتدبيرها ومرجعها إليه.

ومن الآثار الإيمانية: أن أشد ما يغضب الرب سبحانه الكبرياء من العبيد فإن (الكبر بمنزلة منازعة الملك ملكه فإن لم يهلكك طردك عنه) [1]. ولذا غضب الله على إبليس وطرده من ملكوته الأعلى ولعنه لكبريائه وتمرده.

ومن الآثار الإيمانية: أن المال ملك الله، أعطاه للإنسان؛ ليختبره ويبتليه؛ فعليه ألا يتصرف فيما أعطاه من مال، ونفس إلا بأمر الملك كما لا يتصرف العبد إلا بإذن سيده فإن الإنسان ناصيته بيد الله ونفسه بيد ربه وسيده ... وقلبه بين أصبعين من أصابعه، وموته وحياته، وسعادته وشقاوته، وعافيته وبلاؤه، كله إليه سبحانه بل هو في قبضة سيده أضعف من مملوك ضعيف حقير ناصيته بيد سلطان قاهر مالك له تحت تصرفه وقهره، بل الأمر فوق ذلك، بل نواصي العباد كلها بيد الله وحده يصرفهم كيف يشاء، عندها لا يخاف المخلوقين ولم يرجهم ولم ينزلهم منزلة المالكين بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين المتصرف فيهم سواهم والمدبر لهم غيرهم فمن عرف هذا صار فقره وضرورته إلى ربه ومتى عرف الناسَ بذلك لم يفتقر إليهم ولم يعلق أمله ورجاءه بهم. قال هود لقومه: (إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير