[البصير جل جلاله (2)]
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[24 - 11 - 07, 05:28 ص]ـ
[البصير جل جلاله (2)]
* بقلم / خالد بن محمد السليم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أكرم خلقه أجمعين وبعد:
فلا يزال الكلام موصولا عن آثار اسم الله سبحانه البصير:
ومنها: أن يقين العبد برؤية ربه يوجب النصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ , لَئِنْ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي أَصْحَابَهُ , وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ. ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ؛ الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ.قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ. قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أَنَسٌ: ُكنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ) [رواه البخاري]
ومنها: " أن من علم أن الله يراه حيث كان وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته واستحضر ذلك في خلواته أوجب له ذلك ترك المعاصي في السر وهو علامة كمال الإيمان.كان وهب بن الورد يقول:خف الله على قدر قدرته عليك واستحي منه على قدر قربه منك.وقال له رجل عظني فقال له:اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك. وسئل الجنيد بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظر إليه
وكان الإمام أحمد ينشد:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب ... وأن غدا إذا للناظرين قريب
وذكر إبراهيم بن الجنيد: أن رجلا راود امرأة عن نفسها فقالت له أنت قد سمعت القرآن والحديث فأنت أعلم قال فأغلقي الأبواب فأغلقتها فلما دنا منها قالت بقي باب لم أغلقه قال أي باب قالت الباب الذي بينك وبين الله فلم يتعرض لها [روضة المحبين 395]
إذا المرء لم يترك طعاما أحبه ... ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما
قضى وطرا منه وغادر سبة ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
.
ما إن دعاني الهوى لفاحشة ... إلا نهاني الحياء والكرم
فلا إلى فاحش مددت يدي ... ولا مشت بي لريبة قدم
ومنها: أنه إذا اتقى الله وراقبه وترك ما يشتهي في سره وعلانيته؛خوفا من مقامه وحياء من نظر ربه إليه أثمر له محبة الله وألقيت محبته في قلوب العباد ,وإن عصى ربه في سره ألقي له البغض في قلوب الخلق.
"قال أبو الدرداء: ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر يخلو بمعاصي الله فيلقى الله له البغض في قلوب المؤمنين.وقال سليمان التيمي: إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته.وهذا من أعظم الأدلة على وجود الإله الحق المجازي بذرات الأعمال في الدنيا قبل الآخرة ولا يضيع عنده عمل عامل ولا ينفع من قدرته حجاب ولا استتار , فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله فإنه من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الخلق , ومن التمس محامد الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذاما له.
قال أبو سليمان: إن الخاسر من أبدى للناس صالح عمله وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد. ومن أعجب ما روي في هذا ما روي عن أبي جعفر السائح قال: كان حبيب أبو محمد تاجرا يكري الدراهم فمر ذات يوم بصبيان فإذا هم يلعبون فقال بعضهم لبعض قد جاء آكل الربا فنكس رأسه وقال يا رب أفشيت سري إلى الصبيان فرجع فجمع ماله كله وقال يا رب إني أسير وإني قد اشتريت نفسي منك بهذا المال فاعتقني فلما أصبح تصدق بالمال كله وأخذ في العبادة ثم مر ذات يوم بأولئك الصبيان فلما رأوه قال بعضهم لبعض اسكتوا فقد جاء حبيب العابد فبكى وقال يا رب أنت تذم مرة وتحمد مرة وكله من عندك" [جامع العلوم والحكم 163]
ومنها: أنه إذا تحقق هذا من نفسه وصارت المراقبة في كل لحظاته سهل عليه الانتقال إلى المقام الأعلى وهو دوام التحقيق بالبصيرة إلى قرب الله من عبده ومعيته حتى كأنه يراه ومن وصل إلى استحضار هذا في حال ذكر الله وعبادته أستأنس بالله قال غزوان:إنى أصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي , وقال مسلم بن يسار: ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله عز وجلل [جامع العلوم والحكم 36] وهذا من عاجل ثواب الإحسان , أما ثواب الآخرة فإن الله جل وعلا يقول {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} والحسنى _ الجنة _ وأما الزيادة فقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرها: بالنظر إلى وجه الله تعالى في الجنة. " وهذا مناسب لجعله جزاء لأهل الإحسان لأن الإحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة كأنه يراه بقلبه وينظر إليه في حال عبادته فكان جزاء ذلك النظر إلى وجه الله عيانا في الآخرة [جامع العلوم والحكم 35]
جعلنا الله من أهل الإحسان المراقبين له في السر والإعلان , وختم لنا شهرنا بالغفران والعتق من النيران وتقبل منا الصالحات وأسكننا فسيح الجنان إنه كريم منان ...
.
*/ عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم. قسم السنة
23/ 9/1428