[سؤال في الرؤية والإحاطة]
ـ[ابن ربيعة الأزدي]ــــــــ[18 - 11 - 07, 01:21 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لدي سؤالين في موضوع رؤية الله عز وجل أرجو أن تفيدوني وتزيلوا الإشكال وجزاكم الله خيرا:
1) إن تفسير السلف لقوله تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) يعني لا تحيط به ولا يعني بنفي الإحاطة نفي الرؤية.
الإشكال أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها استدلت بالآية لنفي رؤية النبي ربه في الدنيا ولم تستدل بها لنفي الإحاطة فقط.
إن كان معنى الآية الكريمة نفي الإحاطة دون نفي الرؤية فلا يصح الاستدلال بها في نفي الرؤية سواء كانت في الدنيا أو في الآخرة.
والمعتزلة ينفون الرؤية في الآخرة بهذه الآية, والرد عليهم أن الإدراك ليس بمعنى الرؤية وإنما معنى الإدراك الإحاطة وهذا مستحيل في الدنيا والآخرة. فيلزمنا أن نقول لا يصح الاستدلال بهذه الآية على نفي الرؤية سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة لأن الآية تنفي الإحاطة ولا تنفي الرؤية.
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[18 - 11 - 07, 05:41 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أخي الكريم
يمكن رفع هذا الإشكال بأحد الأجوبة التالية:
الجواب الأول: ان يقال تفسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مرجوح وهو خلاف تفسير ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من السلف الذين فسروا الإدراك بالإحاطة وتفسير ابن عباس يؤيده القرآن والسنة ولغة العرب فيكون هو الراجح، وتفسير عائشة رضي الله عنها موقوف عليها لم ترفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإنما رفعت نفي رؤية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لربه فهذا فهمها رضي الله عنها كما فهمت رضي الله عنها من قوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} أن الميت لا يعذب ببكاء أهله عليه ولا يتأذى مع ورود الأحاديث الصحيحة بذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وعائشة أم المؤمنين رضى الله عنها لها مثل هذا نظائر ترد الحديث بنوع من التأويل والاجتهاد لاعتقادها بطلان معناه ولا يكون الأمر كذلك) مجموع الفتاوى (24/ 371)
الجواب الثاني: ان يقال ما نفته عائشة رضي الله عنها نفاه ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً فعائشة لا تنفي مطلق الرؤية وإنما تنفي رؤية الله تبارك وتعالى رؤية خاصة وهي أن يرى إذا تجلى بنوره فهذا الذي لا يمكن رؤيته مطلقاً.
روى عكرمة قال: سمعت ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - سئل هل رأى محمد ربه؟ قال: نعم قال: فقلت لابن عباس: أليس الله يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}. . . قال: لا أم لك ذلك نوره إذا تجلى بنوره لم يدركه شيء.
ويؤيد هذا قوله تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً} وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حينما سئل هل رأى ربه: " نور أنى أراه " رواه مسلم من حديث أبي ذر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -.
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: قام فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بخمس كلمات فقال: " إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور _ وفي رواية النار _ لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه "
ولذا يقول ابن كثير رحمه الله: (ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تثبت الرؤية في الدار الاخرة وتنفيها في الدنيا وتحتج بهذه الاية {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} فالذي نفته الإدراك الذي هو بمعنى رؤية العظمة والجلال على ما هو عليه فإن ذلك غير ممكن للبشر ولا للملائكة ولا لشيء) تفسير ابن كثير (2/ 216)
الجواب الثالث: أن يقال الآية فيها ثلاثة أمور:
1 - الإدراك.
2 - الأبصار.
3 - الزمان.
فالإدراك يحتمل:
1 - معنى الرؤية بناء على تفسير عائشة رضي الله عنها وما روي عن الحسن وأحمد وابن علية.
2 - ويحتمل معنى الإحاطة بناء على تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ومن وافقه.
والأبصار يحتمل:
1 - أن تكون أبصار الخلق جميعاً.
2 - ويحتمل أن تكون أبصار الكفار.
والزمان يحتمل:
1 - أن يكون في الدنيا فقط كما هو تفسير الحسن وأحمد وإسماعيل بن علية وهذا بناء على تفسير الإدراك بالرؤية.
2 - ويحتمل أن يكون في الدنيا والآخرة بناء على تفسير الإدراك بالإحاطة.
فعلى ماذا يحمل قول عائشة رضي الله عنها؟
عائشة رضي الله عنها نفت الرؤية استدلالا بالآية فيحمل قولها على نفي الرؤية من الخلق جميعاً في الدنيا؛ لأنه من المعلوم المتقرر عند أهل السنة والذي أجمع عليه الصحابة أن الله يرى يوم القيامة فلا بد من تخصيص الزمان.
فإذا حملنا الآية على تخصيص نفي الرؤية بالدنيا فهو دليل على جواز الرؤية يوم القيامة كما استدل أهل السنة بهذه الآية على الرؤية إذا فسر الإدراك بالإحاطة بأن نفي الإحاطة يفيد جواز الرؤية بدون إحاطة فكذا نفي الرؤية في الدنيا خاصة يفيد جواز الرؤية يوم القيامة بدلالة مفهوم الظرف وهو نوع من مفهوم المخالفة كما في قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} يفيد ان الحج يكون في هذه الأشهر ويفيد بمفهوم المخالفة أنه لا يكون في غير هذه الأشهر فكذا إذا قيل في تفسير الآية على قول عائشة رضي الله عنها: لا تراه الأبصار في الدنيا يفيد أنها تراه يوم القيامة والله أعلم.
¥