[القدوس جل جلاله (1)]
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[23 - 11 - 07, 05:37 م]ـ
[القدوس جل جلاله (1)]
* بقلم / ماجد بن أحمد الصغير
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه، ونبيه ومجتباه، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وسلم تسليماً كثيراً.
فلله ربنا –وحده- التقديس والتنزيه (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم).
أما بعد: فإن معرفة الله قضية في خطورتها وأهمتيها كالقلب لبقية الأعضاء وكالروح للجسد. والهدف من هذه المعرفة هو عبادته بما يليق به سبحانه والقرب منه وبذلك يسعد الإنسان وتزكو نفسه ويتحقق الهدف المنشود من وجوده (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات:56].
وإن من أسماء الله عز وجل (القدوس) الذي ورد في قوله سبحانه وتعالى (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس) [الحشر: 23]، وفي قوله: (يسبح لله مافي السموات ومافي الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم) [الجمعة:1].
ومن معاني هذا الاسم:
الطاهر المنزه عن كل عيب، وكل نقص وذلك مأخوذ من القدس، وهو الطهارة [1] فالقداسة المطلقة، والطهارة المطلقة لله وحده وهذا يلقي في ضمير المؤمن ضرورة طهارة قلبه؛ لأن ربه القدوس يحب القلب الطاهر المتطهر , فيطهر قلبه ويهذبه , ليصير قلباً صالحا تقياً يتلقى كتاب الله الملك القدوس.
وإن الناظر في اتقان الكون وإحكامه يستدل بذلك على كمال الإله العظيم الملك القدوس العزيز الحكيم؛ ولذا تسبحه كل مخلوقاته وتنزهه وتقدسه عن النقص والعجز (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده) [الإسراء:44] فالكون كله محراب عظيم والمخلوقات فيه خاشعة مسبحة ساجدة (يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب) [الحج: 18] (ولله يسجد مافي السموات ومافي الأرض طوعاً وكرهاً) [الرعد:15] (ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته) [الرعد: 13] (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن بالعشي والإشراق) [الأنبياء:79] فالخلائق كلها شاهدة على هذا الكمال والجلال منزهة له عن كل نقص.
ومن معاني هذا الاسم:
أن الله هو المنزه عن نقائص الملوك كالغرور والشهوات، ونقائص النفوس كالظلم والهوى؛ لذا أعقب الله اسم القدوس في الآية اسم الملك فقال سبحانه: (الملك القدوس العزيز الحكيم) [2].
ومن معاني هذا الاسم:
أن الله سبحانه هو الذي يطهر قلوب أولياءه ويزكيها بالعلم والإيمان والعمل الصالح كما قال سبحانه وتعالى: (ولكن الله يزكي من يشاء) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزه ربه سبحانه وتعالى بهذا الاسم في ركوعه وسجوده، فيقول: ((سبُّوحٌ قدوس رب الملائكة والروح)) [3] ويقول إذا سلم من صلاة الوتر: «سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح». [4]
إن من أجل مهام النبي صلى الله عليه وسلم هي تزكية قلوب الناس وتهذيب أخلاقهم وتنمية الإيمان في صدورهم، وقد جاء في ذلك أربع آيات تبياناً لهذه المهمة الجليلة منها قوله تعالى: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوعليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) [البقرة: 129] ولذا فإن مهمة الإنسان في الدنيا عبادة الله وطاعته المتضمنة تطهير النفس وتزكيتها والإقبال بها على ربها، (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس 9،10] وبهذا يكون الفلاح ولا فلاح من غير هذا الطريق (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى:14،15] وقال الله لنبيه موسى عليه (اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى) [النازعات 17 - 19] فشغل المؤمن الشاغل طهارة القلب من التعلق بغير الله وطهارة جوارحه من المخالفات وطهارة ماله من الشبهات لكي يحظى بالمقام الأعلى بجوار الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر، والناس في زهد عن طهارة أنفسهم وتزكيتها، وفي إقبال على العناية بمظاهرهم وظواهرهم.
¥