تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[علم الكلام الخلدوني]

ـ[محمد الحسن]ــــــــ[24 - 10 - 07, 09:48 ص]ـ

[علم الكلام الخلدوني]

محمد زاهد كامل جول ([1])

مقدمة:

لا أحد يجادل اليوم أن ابن خلدون صاحب كتاب» العبر «الشَّهير قد حظي بمكانةٍٍٍٍٍٍٍٍٍ مرموقةٍ شرقًا وغربًا، لم يحظ بها مفكرٌ إسلاميٌ غيره، ونال قسطًا وافرًا من العناية والتَّكريم والتَّبجيل، فضلًا عن الإنتاج المعرفيّ الزَّاخر الذي شكَّل حقلًا كثيفًا مكونًا غابةً من الدِّراسات الخلدونيَّة!

إلا أنه يمكن القول: إن مجمل الخطاب الذي تبلور حول هذا (العبقريِّ المحيِّر) - بحسب عبارة جاك بيرك ([2]) - عمل على طمس وحجب ابن خلدون نفسه في كثير من الأحيان، من خلال عمليَّات تأويليَّة وقراءاتٍ أيديولوجيَّة، أُنجزت في سياق عمليَّات الهيمنة والسَّيطرة الأوروبيَّة أثناء الحقبة الاستعماريَّة، ومحاولة الانعتاق من أسر التَّبعية، وإنجاز النَّهضة العربيَّة والإسلاميَّة، وصولًا إلى الاستقلال والإبداع.

فقد تحوَّل ابن خلدون إلى رمزٍ يُستخدم في الصِّراع بين الشَّرق والغرب، فليس غريبًا أن يكون قد اكتشف من طرف الغرب في لحظة المغامرة الاستعماريَّة في القرن التاسع عشر، ضمن آليَّات العقل الأداتي الاستشراقيّ المرتبط بالهيمنة والسَّيطرة، ثم العمل على إدماجه في نطاق التَّاريخ الكونيّ الغربيّ، باعتباره أحد العبقريّات العقلانيَّة والحداثيَّة. ([3])

وفي مطلع القرن العشرين نمت واتسعت محاولات بلورة خطاب عربيّ إسلاميّ يعمل على استعادة ابن خلدون، ووضعه في سياق المجال الحضاري الذي انبثق منه، وشهدت الدراسات الخلدونيّة نشاطًا كبيرًا منذ سبعينيات القرن المنصرم باعتباره أحد القيم الإسلاميّة الساميّة، التي تمّ توظيفها كأحد العناصر المكوِّنة لنسق الأيديولوجيّة القوميّة العربيّة.

إن تكاثر الخطاب الغربيّ حول ابن خلدون يأتي في سياق الإنتاج الإيديولوجيّ الذي طوَّره الغرب تجاه الإسلام والثَّقافات الأخرى، في سياق المقاربة الثقافيّة من موقع الهيمنة والسَّيطرة، وفي سياق المركزيَّة الغربيَّة التي تنطوي على نرجسيَّة ميتافيزيقيَّة منغلقة، ترى في ذاتها رمزًا للنَّهضة والتَّقدم، وترى في الآخر الإسلاميّ رمزًا للانحطاط والجُمُود، حيث يُعتبر ابن خلدون الاستثناء الذي يؤكِّد القاعدة.

ولعلَّ الخدمة الكُبْرى لتراث ابن خلدون اليوم، تكون في إعادة الرَّجل إلى زمانه وثقافته وقراءته، وفق منهجٍ شموليٍّ تكامليٍّ داخل السِّياق التَّداوليّ العربيّ الإسلاميّ، بعيدًا عن التَّجزيء والتَّقطيع الذي طبع معظم الدِّراسات الخلدونيَّة.

وسوف نتناول في هذا البحث أحد الجوانب الأساسية في تكوين ابن خلدون الفكريّ، ومحاولة التَّعرف على منهجه الكلاميّ.

فقد تعددَّت الآراء حول أصالةِ وجدَّة الإنتاج المتعلِّق بعلم الكلام الذي أبدعه ابن خلدون؛ فقد رأى فيه بعض المعاصرين متكلمًا أصيلًا، وفي مقدمتهم لويس جارديه وجورج قنواتي ([4])، وصنَّفه عددٌ كبيرٌ من الباحثين كأحد متكلمي الأشاعرة، مثل الدكتور محجوب ميلاد ([5]) الذي أكَّد على ذلك بقوله: «إن ابن خلدون أشعريٌ في الأصول، وينتحل في الأشعريّة طريقة المتأخرين»، أما الدكتور أبو العلا العفيفي فقد ذهب إلى أن ابن خلدون يتوافر على نظراتٍ فاحصة في مجال علم الكلام ويشبِّهه بالإمام الغزالي ([6])، وأيّد هذه المقولة الدكتور عمر فروخ الذي قال: «إن ابن خلدون أشعريّ المذهب، ومخالفٌ للمعتزلة في آراءهم» ([7]).

ويتوسّط الأستاذ عبد الله عنان بخصوص اهتمام ابن خلدون بعلم الكلام، فقد اعتبر أن اهتمام ابن خلدون بهذا العلم كان مبكرًا، حيث إن أوّل مصنَّف قام بتأليفه كان عن أحد الكتب الكلاميَّة للفخر الرازي، وهو «مُحصّل أفكار المتقدمين والمتأخرين» فقام ابن خلدون بتلخيصه في «لُباب المُحصّل» ([8]).

إلا أن هناك مجموعة من العلماء والمفكرين أنكروا أن يكون ابن خلدون متخصصًا في علم الكلام - على الرغم من معرفته به - ومنهم جورج لابيكا ([9]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير