تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(سبأ: 24).

أي بنيّ: ومعنى قوله {أفلا تتقون}، وقوله {فأنّى تسحرون}:

أفلا تخشونه بصرفكم العبادة لغيره من خلقه؟! بل كيف تُصْرَفون عن عبادته إلى عبادة غيره،

وأنتم تعلمون وتقرّون أنه المتفرّد بذلك؟!

? الطالب: يا أستاذ! هل إذا سأل أحدُنا غيرَ الله من المخلوقين شيئا من جَلْب نفعٍ أو دفع ضُرٍّ أصبح بذلك مشركا بالله؟

? الشيخ: لا يا بني، الأمر ليس على إطلاقه، فالعبد قد يسأل غيره من الخلق أن يعينه في جلب منفعة،

أو دفع مضرّة فيما يقدر عليه المخلوق كما في قوله تعالى:

{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ

فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ

قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ}

(القصص: 15). فإغاثة موسى للرجل من شيعته من هذا القبيل.

ولكن الشأن في أن يسأل العبد غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من طلب الشفاء: قال تعالى على لسان إبراهيم:

{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء: 80)، وقال صلى الله عليه وسلم:

(اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا)

متفق عليه، وهبة الولد: قال سبحانه وتعالى:

(لِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ*

أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى49: 50)،

والرزق: قال سبحانه: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} (يونس: 31)، وقال تعالى:

{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} (النحل: 73)،

والإخبار بالغيب: قال عزّ من قائل: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ

(النمل: 65)، هذا هو الشرك بعينه بنيّ، نعوذ بالله أن نشرك به شيئا نعلمه ونستغفره لما لا نعلمه.

? الطالب: يا شيخ! هل من ضابط يحدّد لنا الاستغاثة الشركية من الاستغاثة الجائزة بالمخلوق؟

? الشيخ: أجل بنيّ، إذا استغاث العبد بحيٍّ قادرٍ حاضرٍ، فليست استغاثة شركية،

فإذا اختلّ أحد هذه الشروط الثلاثة صارت شركا أكبر، فلو استغاث العبد بميِّتٍ كانت استغاثة شركية،

ولو استغاث بحيٍّ لكنّه عاجزٌ (عَجْزَ قُدْرَةٍ، كأن يسأله الشفاء والولد أو الإخبار بالغيب،

أو عجز حسيّ كاستغاثة بمشلول أو رضيع لإنقاذه من الغرق) فهي كذلك استغاثة شركية،

وكذا لو استغاث بحيٍّ قادرٍ لكنه غائبٌ، كاستغاثة المريد بشيخه الذي يبعد عنه بمسافات، فكذلك (2)

? الطالب: شيخي الكريم، لعّل من سأل غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله

لم يسأله على جهة أنه يستقل بفعل ذلك، أو له القدرة على هبة الرزق والشفاء والولد،

ولكن من باب الوساطة والشفاعة؟

?الشيخ: ولوْ كانَ بنيّ! فإنّ من سأل غير الله من خلقه فيما لا يقدر عليه إلا الله

على أنه يملك ذلك استقلالا، فهذا أكفر من المشركين الذين كانوا يعتقدون أن المتفرّد بذلك هو الله وحده،

كما أخبرنا الله سبحانه عنهم كما في الآيات السابقة، ولكن من سألهم على جهة الشفاعة والوساطة

هو كذالك أشرك بالله غيره، وهذا عين شرك المشركين الأولين من العرب، قال تعالى عنهم:

{أَلَا لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى

إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}

(الزمر: 3)، وقال سبحانه وبحمده: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ

وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}

(يونس: 18) فنصّ الله تعالى في ختام هاتين الآيتين على كفرهم وشركهم،

مع أنهم صرّحوا بأنّهم لم يعبدوهم على جهة الاستقلال، بل على جهة الوساطة والشفاعة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

(1) أصل هذه الرسالة عبارة عن مساهمة منّي، كانت إجابة لسؤال أخي الكريم الفاضل محمد معاشو

الذي ألّح عليّ بحسن ظنّه بأخيه إلحاحا منقطع النظير، من أجل أن أخرج مطويّة في مسألة:

هي قضية الدين الكبرى، فلم أجد بُدًّا من إجابته رجاء الاندراج في مسالك المدافعين عن حق الربّ الأعظم،

وما إن شرعت في كتابتها، حتىّ أيقنت أنه هو صاحب الفضل فيها، إذ كان سببا في خروجها،

إلاّ أنه مع الاسترسال خرجت عن حدّ المطوية لتصبح رسالة من الحجم الصغير.

والله أسأل الله أن يكتب لي وله، ولكل من اطّلع عليها، وأعان على نشرها خير الجزاء،

في يوم تَعِزُّ فيه الحسنات، وتعظُم فيه الحسرات، وتُسكب فيه العَبرات،

ولا منجي للعبد إلا رحمة ربّ الأرض والسماوات.

(2) أصل هذا السؤال هو عبارة عن تعليق لفضيلة الشيخ محمد حاج عيسى حفظه الله،

أتحفني به خلال تفضله حفظه الله بقراءة الرسالة، وزدت عليه ما يجعله أكثر وضوحا.

...... يتبع بإذن الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير