[تناقضات الأشعرية (11): تناقض مسالكهم في إثبات صدق الله تعالى مع أصلهم في التحسين والتقبيح، والحكمة والتعليل]
ـ[محمد براء]ــــــــ[31 - 03 - 10, 11:22 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[تناقضات الأشعرية (11): تناقض مسالكهم في إثبات صدق الله تعالى مع أصلهم في التحسين والتقبيح، والحكمة والتعليل]
قال الشيخُ العلامةُ عبدُ الرحمن المعلميُّ اليمانيُّ رحمه الله تعالى: " مما عُلِم من الدين بالضَّرورةِ وشَهِدَت به الفطرُ السَّليمةُ والعقولُ المستقيمَةُ؛ أنَّ من المحال الممتَنِع أن يقعَ الكَذِبُ من ربِّ العالمين، وكيف يُتصوَّرُ وقوعُهُ منه وهو عالمُ الغيبِ والشهادةِ القادرُ على كُلِّ شيءٍ، الغنيُّ عن كُلِّ شيء، الحكيمُ الحميدُ الذي له الحمدُ كُلُّه.
وإنما تخبَّطَ في ذلك متأخِّرُو الأشعريَّة، و كأنَّ المُوقِعَ لهم في التخبُّط ما ألزَمَهُم به المعتزِلَةُ في مسألة القَدَر، - و الخوضُ في القدر أمُّ كُل بليَّةٍ و لأمرٍ ما وَرَد في الشَّرعِ النَّهيُ عن ذلك، وشَدَّد فيه السَّلَفُ -.
وإيضاحُ هذا أن الأشعريَّةَ لما صار قولُهُم إلى أن العبادَ مجبورُون على أفعالِهم، قال لهُم المُعتزِلَةُ: كيفَ يُجبِرُ الله تَعَالى خَلقَهُ على الكُفرِ و الفُجُور ثم يعاقِبُهُم عليه، وهذا قبيحٌ ومفسَدَةٌ والله تعالى منزَّهٌ عن القبائِح، وأفعالُه مبنيَّةٌ على المصالِح؟!
فاضطربَ الأشعريَّةُ في هذا، ثم لم يجدُوا محيصاً إلا أن يجحدُوا هذين الأصلين؛ فقالُوا: الأفعالُ كلُّها سواءٌ عند العقلِ، لا يُدرِك منها حُسناً و لا قُبحاً، والله عزَّ وجَلَّ لا يفعلُ لشِيء، ولا لأجلِ شيءٍ، وإنما يفعلُ ما يريدُه، وإرادتُه لا تُعلَّلُ بشيءٍ البتَّة.
فقال المعتزلةُ: فيلزمُكُم أن يجوزَ عقلاً أن يكذِبَ اللهُ تعالى!.
فصارَ الأشعريَّةُ إلى التزام أنَّهُ يجوزُ عقلاً أن يقعَ الكذبُ من الله تبارَكَ و تَعَالى، ثم حاولُوا القولَ بأنه و إن جازَ عقلاً فلا يقع " (1).
قال مقيده عفا الله عنه: البحث في مسألة صدق الله عند الأشعرية له ثلاثة أطراف:
الطرف الأول: حكم الكذب على الله تعالى في الكلامِ النفسيِّ، والأشعرية يقولون باستحالته، وقد تقدم بحثُ دليلهم في الحلقةِ السابقةِ، وبيانُ أنه يناقضُ أصل قولهم بالكلام النفسي.
ولهم على ذلك أدلة أخرى تناقض أصولاً أخرى لهم، وهذا محل بحثها.
الطرف الثاني: حكمُ الكذب على الله تعالى في الكلام اللفظيِّ، فحقيقة مذهبهم أنهم يجوِّزُونه، فيجوِّزُن على الله تعالى أن يخلق حروفاً وأصواتاً تدل على أمرٍ غير واقع.
الطرف الثالث: وقوع الكذب من الله تعالى، وهذا يمنعونَهُ كسائر المسلمين.
فبحثي في مسألتين:
الأولى: حكمُ الكذب على الله تعالى في الكلام اللفظيِّ عندهم:
قال الفخرُ الرازي: " فإن قلتَ الكلامُ الأزليُّ يستحيلُ أن يكون كذباً؟
قلتُ: هب أنَّ الأمر كذلك، لكن لِمَ لا يجوزُ أن تكونَ هذه الكلماتُ التي نسمعُها مخالفةً لما عليه الشيءُ في نفسه؟. وحينئذٍ يعودُ الإشكال " (2).
وقال القرافيُّ: " وليس مقصُود الخصم الكذبَ في الكلام النفسي، فإن النزاع إنما وقع في مُراعاته المصالح في أفعالِه، وأما صفاتُه تعالى فاتَّفق الفرق كلها على أنها في غايةِ الكمال " (3).
وقد أجاب الفخر عن هذا الإشكال بأنَّ الكَذِب قد يكون حَسَناً في أحوال، وهذا منه تسليمٌ بجوازِ الكذبِ على الله تعالى، وصرَّح بذلك القرافيُّ في شرحه بقوله: " تجويزُ أن الله تعالى يخلق أصواتاً في بعض مخلوقاتِه تدلُّ على أمرٍ غير واقعٍ، كما يجُوز أن يخلُقَ في حَجَرٍ من الحجارة أصواتًاً قائلة: الواحدُ نصف العشرة، وهذا نحن نجوزه " (4).
وحسبُك بتجويزِهم الكذبَ على ربِّ البرية – في كلامه اللفظي - قولاً شنيعاً تنفرُ منهُ قلوبُ الموحِّدِين! ولك أن تتعجب بعد ذلك غاية التعجب من رفعهم شعارَ التنزيه، وتبجحهم به، وهم يجوزون على الله تعالى أقبحَ القبائح وأشنعَهَا!
¥