تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تناقضات الأشعرية (14): في التكفير]

ـ[محمد براء]ــــــــ[09 - 04 - 10, 11:44 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[تناقضات الأشعرية (14): في التكفير]

الحكمُ على قولٍ أو فعلٍ أو اعتقادٍ بأنه كفرٌ حكمٌ شرعيٌّ محضٌ، وهذا يتضمَّنُ أمرين:

الأول: أنَّهُ لا مجالَ للعقل فيه، وإن كان العقلُ يمكن أن يُدرِكَ قُبحَ قولٍ أو فعلٍ، بمعنى أن فاعلَه مذمُومٌ معاقبٌ بشرطِهِ، إلا أنَّهُ لا يُدرِكُ تفاصيل ذلك العقاب: هل هو خالدٌ في النار أم يدخلُها ثم يخرجُ بالشفاعة؟، فهذا لا يدرَكُ إلا بالسمع.

الثاني: أنه ليسَ خاضعاً لآراء الرجال وأصولِهم التي وضعُوها، سواءً سمُّوهَا أصولَ الدينِ أو غيرَ ذلك، بل الكافرُ من كفره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن نظر في تكفيرِ أئمَّةِ السنة لمن كفروه من المبتدعةِ تجدُ أنهم يستدلون لذلك بكلام الله تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، كما تقدم النقل عن الإمام أحمد في مسألة تكفير من قال بخلق القرآن.

وقد خالفَ عامة طوائفِ المبتدعَةِ هذا الأصلَ، إذ يجعلُون وفاق أُصُولهم هو الإيمانُ، وخلافَهَا هو الكفرُ، بصرف النظرِ هل لأصلهم الذي يُكفِّرُون من قال بخلافِه دليلٌ شرعيٌّ أم لا.

فمن ذلك تكفيرُ الرافضة لمن خالفَهُم في أصل الإمامةِ، وتكفيرُ الجهميَّةِ لمن لم يقُل بقولهم في خلقِ القرآن واستحلالُ دمه كما حصلَ زمن الفتنةِ، وتكفيرُ المعتزلة لمن خالفَهُم في أصولِهِم الخمسةِ.

والأشعريَّةُ وإن كانوا يقولون بأن التكفيرَ حكمٌ شرعيٌّ لا مدخلَ للعقل فيه، فقد نقضَ بعضُ أئمَّتِهم ذلك في أكثر من موضع.

أما تصريحهم بأن التكفير حكم شرعيٌّ لا مجالَ للعقل فيهِ، فقد قال الغزالي في الاقتصاد: " البابُ الرابعُ: بيانُ من يجبُ تكفيرُهُ من الفرقِ.

اعلم أن للفرقِ في هذا مبالغاتٌ وتعصُّبَاتٌ، فرُبَّمَا انتهى بعضُ الطوائفِ إلى تكفير كُلِّ فرقةٍ سوى الفرقةِ التي يُعزَى إليها، فإذا أردتَ أن تعرفَ سبيل الحق فيه فاعلم قبلَ كُلِّ شيءٍ أنَّ هذه مسألةٌ فقهيَّةٌ، أعني الحُكمَ بتكفيرِ من قال قولاً وتعاطى فعلاً، فإنها تارة تكونُ معلومة بأدلَّةٍ سمعيَّةٍ، وتارةً تكونُ مظنونةً بالاجتهادِ، ولا مجال لدليلِ العقل فيها البتَّةَ " (1).

أما مناقضة بعضِ أئمَّتِهم لهذا الأصل، فسأذكرُ لهُ ثلاثة أمثلة بعون الله تعالى.

واعلم قبل الخوض في ذلك أن التزامَ الأشعريَّةِ بهذه القاعدةِ، وهي أن التكفيرَ حكمٌ شرعيٌّ لا حكم فيه إلا لله ورسولِه صلى الله عليه وسلم؛ من أصعبِ ما يكُون، ذلك أنَّ معنى تطبيقِ هذه القاعدة أن تُعرَض أصول الدين الأشعرية من ألفها إلى ياءها على الكتاب والسنة، فما وافقها أخذ به، وما خالفها رُدَّ، وبعد هذه الغربلة يُبنَى الحكم بالتكفير أو التبديع على من خالف تلك الأصول بشرطه، ومن المعلوم أن هذه الغربلةَ ستُسقِطُ كثيراً من أصولِ الأشعرية البدعيَّة، وحينها ينهدمُ كثيرٌ مما بنَوه في ما سمَّوه علمَ أصولِ الدين، وهذا لا يهونُ عليهم، فلا بد إذن من أن ينقضوا هذه القاعدة.

1 - المثال الأول: في كلام الجويني في من جهل صفة من الصفات:

قال أبو المعالي الجويني في أجوبتِه على أسئلةِ عبد الحقِّ الصقلي (2)، في جوابِ سؤالِه عمَّن جهلَ صفةً من الصفاتِ: " .. إذا نظر وجهل صفةً من صفاتِ الباري، واعتقدَهَا على خلافِ ما هي عليهِ، فلا يخلُو: إما أن تكون صفةً نفسيَّةً، وإما أن تكونَ صفةً معنويَّةً، فإن كانت الصِّفَةُ التي جَهِلَها صفةً نفسيَّةً، مثلَ أن يعتقِدَ تحيُّزَ الباري - واللهُ جلَّت قدرتُهُ مُنزَّهٌ عنهُ -، فالأصحُّ أنَّ الجهلَ بها يُنافِي المعرفةَ بالله.

وذلك أن صفةَ النفسِ تدلُّ على عينِ النفسِ، ولا ترجعُ إلى صفةٍ زائدةٍ عليها، فالجاهلُ بها جاهلٌ بالنفس.

وتقريبُ القول في ذلكَ: أن مُعتَقِدَين إذا اعتقدَ أحدُهُما موجوداً غيرَ مُتحيِّزٍ، واعتقدَ الثاني موجُوداً متحيِّزَاً، فمعتقَدُ أحدهما غيرُ معتقَدِ الآخر، فلا خفاءَ به " (3).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير