[المجاز العقلي لتبرير شرك الاستعانة بالاموات]
ـ[أبو نسيبة السلفي]ــــــــ[03 - 05 - 10, 06:51 م]ـ
[المجاز العقلي لتبرير شرك الاستعانة بالاموات]
بسم الله
س: شبهة الكسب والتسبب أو ما يُسمى بالمجاز العقلي يدندن حولها كثير من القبوريين اليوم في تبرير شركياتهم فما حقيقة هذه الشبهة؟، وأود من المشايخ وطلبة العلم الفضلاء بيان تهافتها أو إحالتنا على مراجع في ذلك، كما أود معرفة أول من قال بها، وجزاكم الله خيرا.
ج:
المراد بالمجاز العقلي هو إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له غير ما هو له ([1])، ومُرادهم أنّ النّاس إذا توسلوا بالنبي ح أو بغيره من الأنبياء والصالحين لم يعبدوهم، ولا أخرجهم ذلك عن توحيدهم لله تعالى، وأنه هو المنفرد بالنفع والضرر، وأنّه يجوز قول القائل: أسأل الله تعالى برسوله؛ لأنه سائل لله تعالى لا لغيره ([2])، ولاشك أنّ هذا الكلام باطل ومردود!، وقد جرَّت هذه الشبهة القبوريين إلى القول بجواز صرف بعض العبادات لغير الله، وأنّ ذلك من قبيل الأخذ بالأسباب وليس من باب الشرك بالله، ولا يعدّ ذلك عبادة لغير الله تعالى، والفاعل لذلك مسلمٌ موحد! فطلب الغوث والدعاء والاستعانة بالأنبياء والصالحين على سبيل الكسب والتسبب، ومن الله تعالى على سبيل الخلق والإيجاد.
والذي يظهر لي أنّ أول من قرر شبهة المجاز العقلي في صرف بعض العبادات لغير الله هو أبو الحسن علي بن عبدالكافي السبكي في كتابه شفاء السقام في زيارة خير الأنام، ولا شك أنّ ما تشبث به السبكي ومقلّدوه في هذه الشبهة باطلٌ ومردود.
إذ أنّ من المعلوم بالدين بالضرورة أن العبادة لا يجوز صرفها لغير الله؛ وهذا محل اتفاق لا نزاع فيه؛ بل هذه الشبهة هي نظير ما قاله المشركون الأولون! عن أوليائهم الذين عبدوهم من دون الله، وقد حكى الله U ذلك في كتابه الكريم على لسانهم فقال I:{ مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [سورة الزمر:3]، ويقول I :{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة يونس:18]، فسمّاهم الله U مشركين، وهم يعتقدون أنّ هؤلاء الأولياء مجرد وسائط بينهم وبين الله U في قضاء حوائجهم، فدعاء الأحياء للأموات فيما لا يقدر عليه إلا الله ليس هو من باب التسبب، وإنما الذي جعله ذلك هم عباد الأصنام ([3]).
وقد ادّعى القبوريون: أنّ الاستغاثة: طلب الغوث من الخالق وهو الله تعالى، وتارة يطلب ممن يصح إسناده إليه على سبيل الكسب، ومن هذا النوع الاستغاثة بالنبي r، وفي هذين القسمين تعدى الفعل تارة بنفسه كقوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}، {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ} [سورة القصص:15]، وتارة بحرف الجر كما في كلام النحاة في المستغاث به، وفي كتاب سيبويه: " فاستغاث بهم لينشروا له كليباً " ... ، واستغيث بالله بمعنى طلب خلق الغوث منه؛ فالله تعالى مستغاث فالغوث منه خلقاً وإيجاداً، والنبي r مستغاث والغوث منه تسبباً وكسباً.
ولاشك أنّ هذا الكلام باطلٌ من وجوه:
(1) الأدلة التي استدلوا بها على تسويغ طلب الإغاثة! حجة عليهم لا لهم؛ فالاستغاثة الجائزة إنما تكون من الأحياء فيما يقدرون عليه، كما حصل أن استغاث الإسرائيلي موسى - u- ليُخلصه من عدوه القبطي، فالاستغاثة بالأحياء لدفع الشدائد التي يقدرون على دفعها جائز، بخلاف الاستغاثة بالأموات فلا تجوز بحال ([4]).
(2) لقد كان الصحابة –رضي الله عنهم- يُبْتلون بأنواع البلاء، ولم يكن أحد منهم يأتي قبر الرسول r أو قبر غيره من الأنبياء لطلب الدعاء والتوسل به، فهذا مما عُلِم بالاضطرار من دين الإسلام وبالنقل المتواتر وبإجماع المسلمين أنه غير مشروع ([5]).
¥