[تناقضات الأشعرية (13): في حقيقة الكفر]
ـ[محمد براء]ــــــــ[06 - 04 - 10, 03:41 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[تناقضات الأشعرية (13): في حقيقة الكفر]
الكفرُ خلافُ الإيمانِ، واختلافُ الناس في حقيقةِ الكُفرِ وأحكامِهِ تبعٌ لاختلافهم في حقيقةِ الإيمانِ وأحكامِهِ.
فلمَّا كان الإيمانُ عندَ أهل السنة " قولٌ وعملٌ "، كان الكفرُ عندهم أيضاً " قولٌ وعملٌ "، فكما أنَّ الإنسان يكفرُ إذا كذَّب الرسول، فهو يكفرُ أيضاً إذا شتَمَه أو سبَّهُ، ويكفرُ إذا قتَلَهُ أو قاتَلَهُ، وكما أنَّ الناس في الإيمانِ متفاضلُونَ فهم في الكُفرِ متفاضِلُون، وكما أنَّ الإيمانَ خصالٌ وشعبٌ، فالكفرُ خصالٌ وشعبٌ، وكما أن الإيمانَ أصلٌ وفرعٌ، فالكفرُ كفران: كفرٌ أكبرُ وكفرٌ أصغرُ.
ولما كانت حقيقةُ الإيمانِ عندَ الأشعريَّةِ على خلافِ مهيعِ أهل الحق، كان الكفرُ عندَهُم على خلافِه، فالإيمان عندهم هو التصديقُ أو العلم، والكفر هو التكذيبُ أو الجهل.
قال ابن فورك في مجرد مقالات الأشعري: " وكان يزعم أنَّ الكفرَ هو الجهلُ بالله تعالى، وهو خَصلةٌ واحدةٌ، وهو ضدُّ المعرفة بالله تعالَى، وبالقلبِ يكونُ دون غيرِه من الجوارح، وأنَّ الجهل بالله تعالى بغضٌ له واستكبارٌ عليه واستخفافٌ به وإلحادٌ، وأنَّه شركٌ بالله تعالى، وأن من جحدَ أن يكونَ للعالَم مدبِّرٌ أو قال: مدبِّرُه المسيحُ، أو: مدبِّرُه اثنان؛ فذلك اعتقادٌ هو جحود في قلبه، وهو الجهلُ بالله تعالى وهو الكفرُ به " (1).
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: " بابُ القولِ في معنى الكفرِ: إن قال قائلٌ: وما الكفرُ عندَكُم؟ قيلَ لهُ: هو ضدُّ الإيمانِ، وهو الجهلُ بالله عزَّ وجلَّ والتكذيبُ به، السائرِ لقلبِ الإنسانِ عن العلمِ به " (2).
قال مقيده عفا الله عنه: لما كانت حقيقةُ الكُفرِ عندَهُم هكذا، ولم يكُن لهم أن يخالِفُوا أهلَ الإسلامِ في تكفيرِ من أتى بقولِ أو فعلٍ مخرجٍ من الملَّةِ، كسبِّ الله تعالى وسبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم، وقعُوا في تناقُضٍ ظاهر، إذ الكفرُ عندَهُم التكذيبُ وقد أثبتوا الكفر لمن لم ينطبق عليه هذا الحدُّ.
وقد التزم الأشعريَّةُ لدفع هذا التناقُضِ أن كلَّ من حكم الشرعُ عليه بالكفر، فهو دليلٌ على انتفاءِ التصديق من قلبه.
نقل ابن فورك عن الأشعري أنه كان يقول: " إن المنكر اختياراً – أي: المنكرُ بلسانه – كافرٌ بكفرٍ في قلبه، وإنكارهُ دلالةٌ عليه، كما أن الساجدَ للشمس كافرٌ لا لنفس سجوده لها، ولكن سجودُهُ علامةٌ لكفرٍ في قلبِهِ، وكذلك قاتلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والزاني بحضرتِهِ، كافرٌ لا بنفسِ القتلِ والزنا، ولكن بكُفرٍ في قلبِهِ يدلُّ عليه الزنا والقتلُ".
وكان يقول: " التعظيمُ لله تعالى والإجلالُ له من شرطِ الإيمان، وكذلك المحبَّةُ والخضوعُ.
وما يجعله شرطاً بالله تعالى يجعله شرطاً في الإيمان برسوله، لأن التهاون بالرسول والاستخفاف به كفر، كما أنّ التهاون بأمر الله تعالى والاستخفاف به كفر " (3).
ونقل عنه قوله: " الْإِيمَانُ هُوَ اعْتِقَادُ صِدْقِ الْمُخْبِرِ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ .. ثُمَّ السَّمْعُ وَرَدَ بِضَمِّ شَرَائِطَ أُخَرَ إلَيْهِ (4)، وَهُوَ أَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى كُفْرِ مَنْ يَأْتِيهِ فِعْلًا وَتَرْكًا، وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَهُ بِتَرْكِ الْعِبَادَةِ وَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ فَلَوْ أَتَى بِهِ دَلَّ عَلَى كُفْرِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِ دَلَّ عَلَى كُفْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ تَعْظِيمَ الْمُصْحَفِ أَوْ الْكَعْبَةِ دَلَّ عَلَى كُفْرِهِ.
¥