[تناقضات الأشعرية (9): في دليلهم النظري على أن كلام الله تعالى غير مخلوق]
ـ[محمد براء]ــــــــ[29 - 03 - 10, 04:31 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[تناقضات الأشعرية (9): في دليلهم النظري على أن كلام الله تعالى غير مخلوق]
من الأدلة العقلية التي استدلَّ بها أهلُ السُّنَّةِ على أن كلام الله تعالى غيرُ مخلوق، أن الصفة إذا قامت بمحلٍّ عادَ حكمُهَا إلى ذلك المحل فكان هو الموصوفُ بها، ولا يعود حكمُها على غير ذلك المحلِّ، فلو كان الكلامُ قائِمَاً بغيرِ الله تعالى، لكانَ ذلك المحل هو الموصوف بالكلام، لا الله تعالى، ولو كان الكلامُ الذي خلقه في غيره كلاماً له لكان كلُّ كلامٍ في الوجود كلامَه، سواء حسنه وقبيحه، نثره ونظامه.
وقد بيَّن هذه الحجة الإمامُ أبو أيوب سليمانُ بن داودَ الهاشميُّ - الذي قال فيه الإمام الشافعي: " مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ الهَاشِمِيِّ " (1) المتوفى سنة 219 هـ رحمه الله تعالى – بيَّنها بقوله: " من قال: القرآنُ مخلوق فهو كافرٌ، وإن كان القرآنُ مخلوقاً كما زعمُوا، فلِمَ صار فرعونُ أولى بأن يُخلَّد في النار إذ قال: أنا ربُّكم الأعلى، وزعموا أن هذا مخلوق، والذي قال: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي؛ هذا أيضاً قد ادَّعَى ما ادَّعَى فِرعَونُ، فلم صار فرعونُ أولى بأن يُخلَّدَ في النار من هذا؟ وكلاهما عندَهُ مخلوقٌ!
فأُخبِر بذلك أبو عبيد، فاستحسنَهُ وأعجبه " (2).
قال ابن تيمية معلقاً على كلامه: " ومعنى كلامِ السلف أنَّ من قال: إنِّ كلام الله مخلوق، فحقيقةُ قوله أن الله تعالى لا يتكلم، وأنَّ المحل الذي قام به: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا هو المدعى الإلهية، كما أن فرعون لما قام به: أنا ربُّكم الأعلى كان مُدَّعِياً للرُّبُوبيَّة.
وكلامُ السلف مبنيٌّ على ما يعلمونَهُ من أنَّ الله خالقُ أفعال العباد وأقوالِهم، وإذا كان كلامُه ما خلقَه في غيره، كان كلُّ كلامٍ كلامَه، وكان كلامُ فرعون كلامَه، إذ المتكلِّمُ من قام به الكلامُ، فلا يكون مُتكلَّماً بكلامٍ يكون في غيره، كسائرِ الصفات والأفعال، فإنه لا يكون عالماً بعلمٍ يقومُ بغيرِه، ولا قادراً بقدرة تقوم بغيره، ولا حيَّاً بحياةٍ تقومُ بغيرهِ، وكسائر الموصوفين، فإن الشيءَ لا يكونُ حياً عالماً قادراً بحياةٍ أو علمٍ أو قُدرَةٍ تقومُ بغيرِهِ ولا يكونُ متحرِّكاً أو ساكناً يحركةٍ أو سكونٍ يقومُ بغيرِه، كما لا يكون متلوِّناً بلونٍ يقوم بغيره.
وهنا أربع مسائل: مسألتان عقليتان، ومسألتان سمعيتان لغويتان:
الأولى: أن الصفة إذا قامت بمحلٍّ عاد حُكمُها إلى ذلك المحل، فكان هو الموصوفُ بها، فالعلمُ والقدرة والكلام والحركةُ والسُّكونُ إذا قام بمحلٍّ كان ذلك المحلُّ هو العالم القادر المتكلِّمُ أو المتحرِّكُ أو الساكنُ.
الثانية: أن حكمَهَا لا يعودُ على غير ذلك المحل، فلا يكون عالماً بعلمٍ يقومُ بغيره، ولا قادراً بقدرةٍ تقومُ بغيره، ولا مُتكلِّماً بكلامٍ يقوم بغيره، ولا مُتحرِّكاً بحركةٍ تقوم بغيره، وهاتان عقليتان.
الثالثة: أنه يُشتقُّ لذلك المحل من تلك الصفة اسمٌ، إذا كانت تلك الصفة مما يشتقُّ لمحلها منها اسمٌ، كما إذا قام العلمُ أو القدرةُ أو الكلامُ أو الحركة بمحلٍ قيل: عالمٌ أو قادرٌ أو متكلِّمٌ أو متحرِّكٌ، بخلاف أصناف الروائح التي لا يشتق لمحلِّهَا منها اسمٌ.
الرابعة: أنه لا يُشتقُّ الاسم لمحلٍّ لم يقُم به تلك الصِّفَةُ، فلا يُقَال لمحلٍّ لم يقم به العلم أو القدرة أو الإرادة أو كلام أو الحركة إنه عالم أو قادر أو مريد أو متكلم أو متحرك " (3).
¥