تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تناقضات الأشعرية (12): في مسألة حلول الحوادث في الله تعالى]

ـ[محمد براء]ــــــــ[04 - 04 - 10, 05:02 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[تناقضات الأشعرية (12): في مسألة حلول الحوادث في الله تعالى]

الأدلَّةُ النقليَّةُ على إثباتِ أفعال الله تعالى الاختيارية كثيرةٌ جداً، والخلاف بين الأشعرية وأهل السنة في هذه المسألة، من كبار المسائل الخلافية بينهم.

إذ من أصول الأشعرية ما يُعنوِنون لهُ بقولهم: " استحالةُ حلول الحوادث في الله تعالى "، ويجعلون من أثبتَ ذلك مجسماً ناقضاً لأصلهم في إثبات وجود الله تعالى، وهو دليل الأعراض.

وقولهم باستحالة حلول الحوادث تجشَّمُوا كُلَّ صعبٍ من أجلِ حمايتِه، لأن في حمايتِه حمايةُ دليلِ الأعراض؛ أصلِ التوحيدِ عندهم، ولذلكَ تجدُ المتأخِّرَ منهُم إذا وقفَ على غلطٍ في حُجَّةٍ ذكرها المُتقدِّم على استحالةِ حلول الحوادث؛ تعقَّبَهَا وتكلف الإتيان بحُجَّةٍ جديدَة حتى لا يسقط أصلهم، كأنَّ النتيجةَ مسلمةٌ قبلَ الاستدلالِ، وليس الهدفُ من ذكر الحُجَّةِ وترتيبها الوصولَ إلى نتيجةٍ علمية، وإنما حمايةُ نتيجةٍ مقررةٍ سابقاً!

وهذه الطريقةُ نفسُها يسلكُونها مع الأدلة الشرعيَّة، إذ يعتقدونَ الاعتقادَ ثم يشرعون في الاستدلالِ عليه بكلامِ الله وكلامِ رسوله صلى الله عليه وسلم! وهذا المنهج في التلقي والاستدلال في غاية الفسادِ كما لا يخفى.

وقد واجهتهُم نصوصٌ شرعيَّةٌ تخالِفُ أصلهم هذا، فجعلُوا الأخذُ بظواهرها من أصُول الكُفرِ والابتداعِ، وشنُّوا عليها غاراتِ التأويل، ومنهُم من أراح نفسه من تلكَ الغاراتِ والمعمعاتِ، وقال لأصحابه: لا تتعبُوا أنفسكم، فالاشتغالَ بالتأويل تبرُّعٌ، ليس حتمَاً عليكُم!

ورغم تبجُّحِهِم بقولِهِم هذا – أعني امتناع حلول الحوادث -، وجلعهم إياه شعار التنزيه، وسلِّهِم سيفَ التبديع والتكفير على من خالفهم فيه، إلا أنهم أنفسهم – وبإقرار كبيرهم فخر الدين الرازي – يلزمهم القولُ بحلول الحوادث!!

قال الفخر الرازي في كتاب الأربعين: " المسألة العاشرة في بيان أنَّهُ تعالى يمتنع أن يكون محلاً للحوادثِ.

المشهور أن الكراميَّةَ يجوِّزُون ذلك، وينكِرُه سائرُ الطَّوائف، وقيل: أكثرُ العُقَلاء يقولُونَ بهِ، وإن أنكرُوه باللِّسَان ".

ثم قال بعد أن بين أنه لازم للمعتزلة: " والأشعريَّةُ:

1 - يثبتُون النسخَ، ويفسرونه بأنه رفع الحكم الثابت، أو انتهاء الحكم، وعلى التقديرين فإنه اعتراف بوقوع التغير، لأن الذي ارتفعَ وانتهى فقد عُدِمَ بعد وجُودِه.

2 - وأيضًا يقولون: إنه تعالى عالمٌ بعلم واحد، ثم إنه قبلَ وقوع المعلوم يكونُ متعلقًا بأنه سيقع، وبعد وقوعه يزولُ ذلك التعلُّق، ويصيرُ متعلقًا بأنَّهُ كان واقعًا، وهذا تصريحٌ بتغيُّر هذه التعلُّقَات.

3 - ويقولون أيضًا: إنَّ قُدرَتَه كانت متعلِّقَةً بإيجاد الموجودِ المعين من الأزلِ، فإذا وُجِدَ ذلك الشيء، ودخلَ ذلك الشي في الوجودِ انقطعَ ذلك التعلُّقُ، لأنَّ الموجودَ لا يمكنُ إيقاعُه، فهذا اعترافٌ بأن ذلكَ التعلُّقَ قد زال.

4 - وكذا أيضًا: الإرادةُ الأزليَّةُ كانت متعلِّقةً بترجيح وجودِ شيء على عدمه في ذلك الوقتِ المُعيَّن، فإذا ترجَّح ذلك الشيءُ في ذلك الوقت، امتنع بقاء ذلك التعلُّق، لأن ترجيحَ المترجِّح محالٌ.

5 - وأيضًا: توافقنا على أنَّ المعدومَ لا يكونُ مرئيًا ولا مسمُوعًا، فالعالم قبلَ أن كان موجودًا لم يكُن مرئيًا، ولا كانتِ الأصوات مسموعةً، وإذا خلق الألوان والأصوات صارت مرئيَّةً ومسموعةً، فهذا اعترافٌ بحدوث هذه التعلقات.

ولو أن جاهلاً التزمَ كون المعدوم مرئيًا ومسموعًا، قيل له: الله تعالى هل كان يَرى العالم وقت عدمه معدومًا، أو كان يراه موجُودًا؟ لا سبيل إلى القسم الثاني، لأنَّ رؤيةَ المعدوم موجودًا غلط، وهو على الله تعالى محال، ثم إذا أوجده فإنه يراهُ موجودًا لا معدومًا، وإلا عادَ حديث الغلط

فعلمنَا أنه تعالى كان يرَى العالم وقت عدمه معدومًا، ووقت وجوده موجودًا، وهذا يوجب ما ذكرنَاه " (1).

ثم قال: " ثم اعلم الصفات على ثلاثة أقسام: حقيقية عارية عن الإضافات كالسواد والبياض.

وثانيها: الصفات الحقيقية التي تلزمُها الإضافاتُ كالعلم والقدرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير