تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قَصْدَ اللَّفْظِ بِالْعُقُودِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ , بِحَيْثُ لَوْ جَرَى اللَّفْظُ فِي حَالِ نَوْمٍ , أَوْ جُنُونٍ , أَوْ سَبْقِ اللِّسَانِ بِغَيْرِ مَا أَرَادَهُ الْقَلْبُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ , ثُمَّ إنَّ أَكْثَرَهُمْ صَحَّحُوا عُقُودَ السَّكْرَانِ مَعَعَدَمِ قَصْدِهِ اللَّفْظَ قَالُوا: لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ أَنْ يُزِيلَ عَقْلَهُ كَانَ فِي حُكْمِ مَنْ بَقِيَ عَقْلُهُ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْهَازِلِ وَالْمُخَادِعِ لَمَّا أَخْرَجَا الْعَقْدَ عَنْ حَقِيقَتِهِ. فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُمَا مِنْهُ مَقْصُودَ الشَّارِعِ عُوقِبَا بِنَقِيضِ قَصْدِهِمَا. وَمَقْصُودُ الْهَازِلِ نَفْيُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ فَيَثْبُتُ. وَمَقْصُودُ الْمُحَلِّلِ ثُبُوتُ الْحِلِّ لِلْمُطَلِّقِ , وَثُبُوتُ الْحِلِّ لَهُ لِيَكُونَ وَسِيلَةً فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ بِعَكْسِ السُّنَّةِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَصَحَّحَ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ دُونَ نِكَاحِ الْهَازِلِ , نَظَرًا إلَى أَنَّ الْهَازِلَ لَمْ يَقْصِدْ مُوجَبَ الْعَقْدِ , فَصَارَ كَلَامُهُ لَغْوًا وَالْمُحَلِّلُ قَصَدَ مُوجَبَهُ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى غَرَضٍ آخَرَ. وَهَذَا مُخَيَّلٌ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ , لَكِنْ يَصُدُّ عَنْ اعْتِبَارِهِ مُخَالَفَتُهُ لِلسُّنَّةِ , وَبَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ يَتَبَيَّنُ فَسَادُهُ نَظَرًا كَمَا تَبَيَّنَ أَثَرًا , فَإِنَّ التَّكَلُّمَ بِالْعَقْدِ مَعَ عَدَمِ قَصْدِهِ مُحَرَّمٌ , فَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فَقَدْ أُعِينَ عَلَى التَّحْرِيمِ الْمُحَرَّمِ , فَيَجِبُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ إفْسَادٌ لِهَذَا الْهَزْلِ الْمُحَرَّمِ وَإِبْطَالُ اللَّعِبِ يَجْعَلُ الْهَزْلَ بِآيَاتِ اللَّهِ جِدًّا , كَمَا جُعِلَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِاَللَّهِ وَبِآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ , وَقَصْدُ الْمُحَلِّلِ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِقَصْدِ الشَّارِعِ , فَإِنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الرَّدَّ إلَى الْأَوَّلِ , وَهَذَا لَمْ يَقْصِدْهُالشَّارِعُ , فَقَدْ قَصَدَ مَا لَمْ يَقْصِدْهُ الشَّارِعُ , وَلَمْ يَقْصِدْ مَا قَصَدَهُ , فَيَجِبُ إبْطَالُ قَصْدِهِ بِإِبْطَالِ وَسِيلَتِهِ , وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ)).

قلت: فهذا هو تأصيل فقه هذا الباب ..

أما تأصيل كون القول المخالف بدعة محدثة فهو في النقاط التالية:

1 - النص الثابت في هذا الباب هو قول الله تعالى: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}.

وسواء قيل إنهم كانوا منافقين أم لا (وهو الصواب)،فإن الآية أناطت كفرهم الظاهر هاهنا بفعل كفري وهو الاستهزاء،وهم دفعوا هذا الحكم بأنهم أرادوا اللعب وبين أنهم لم يريدوا الكفر؛لأنهم إما غير منافقين فلايريدون الكفر، وإما منافقون فلا يريدون إظهار الكفر، فلما ثبت لهم الكفر رغم كونهم لم يريدوا حصوله = دل ذلك على إهدار اشتراط قصد الكفر لحصول التكفير بالفعل المكفر، وعلى العكس من ذلك كان اشتراط قصد الفعل المكفر ثابتاً بآية الإكراه وحديث الخطأ،وكل ذلك بين جداً في الدلالة على هذا الأصل في دين الله عز وجل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير