العلماء و (الأُغيلمة)
ـ[ذو المعالي]ــــــــ[01 - 06 - 02, 10:44 م]ـ
العلماء و الأُغيلمة
من المعروف لدى عقلاء طلاب العلم و نبهائهم أن العلم متشعب متفرِّع. و هذا عام في كل فن من فنون العلم.
و ذاك التشعب و التفريع نعمة كبرى إذا كان من باب التفريع المعوَّل في على أصل العلم.
و هما متضمنان خلافاً في المسائل التي هي تفريع على الأصل.
و الخلاف قسمان:
الأول: خلاف تضاد.
الثاني: خلاف تنوع.
و الأصل في علماء الإسلام _ عموماً _ أن الخلاف فيهم هو من النوع الثاني.
و أما النوع الأول فقليل القائل به، و لم يقل و لن يقول به إلا من تلبس بهوى، و شهوة نفس.
هذا أصل سار عليه علماء السنة _ خاصة _ و سائر علماء الدين. لكن لما ضاق الأفق في بعض الناس _المنتسبين للعلم _ بذاك النهج، و قد تلبَّسَ _ مسبقاً _ بـ (الامبراطورية) النفسية، ضيق المسائل الخلافية، و جعلها أمراً مجمعاً عليه، ناسفاً بذلك كل قولٍ و كتاب و مذهب اعتمد القول الذي خالف ما حققه بعض (النكرات).
فكان من ذلك أن أطلق للسان العنان، و شهر صارم قَلَمِه، و مُظْهِراً سطرَ كتابه على كل من خالف قوله (المُحقَّق).
و أصبحت القاعدة الأساس عنده هي القاعدة البوشية [من لم يكن معي فهو ضدي].
فحجَّر بجهله الواسع، و ضيَّق الشاسع، و تلك بلية (الأقزام)، و آفة (الذبابيين).
فإذا ما قال (عالم) قولاً له فيه (إمام) سابقٌ له بالقول بهذا الرأي إلا و انبرى له من (الأقزام) من هدَّ كيانه، و نسف بنيانه.
و السبب الدافع لذاك (النسف) هو مخالفته ما تقرَّر عند (الطِّوال) الذين تبنوا كفالة (غلمان) الكتاتيب.
و إن كان في الأمر إنصافاً، و سعياً للحق لكان الهجوم على القائل به أولاً لا من قاله مقلِّداً.
بغضِّ النظر عن كون نهج أولئك (الأقزام) خالفوا الكتاب في: (الإنصاف) و (العدل) و (اتباع الحسن من القول) و (الحكمة في الطرح).
و ثمة سؤالات تتبادر إلى ذهن طالب الحق و هي:
هل المُعْتَبَرُ في العلم ما حققه المعاصرون؟
و هل الخلاف سُدَّ بابه حين تبنى أحدٌ قولاً من الأقوال؟
و هل الخلاف (التنوعي) يكون خلافاً (تضادياً)؟
و هل (الهجران) و (التضليل) و (التبديع) يكون في المسائل الفرعية؟
و هل مخالفة عالم لرأي آخر تُعَدُّ مسوغةً لـ (التضليل) و (التفسيق)؟
أسئلة أطرحها على كل (قزم) ناطح (طويلاً).
الكل يرى بين فينات عدَّةٍ أطروحات ردودية على كبارٍ من المشتغلين بالعلم في مسائل فرعية الخلاف فيها سائغ.
و لِيُلْحَظْ أن الردَّ على من لم يسلك مسالك (الأقطاب) المبجلين عند بعض الناس.
الأمر في الخلاف (التنوعي) واسع، فلابد من مراعاته مراعاةً تليق به، يُحتَفى فيها بالمُخالف.
و العجبُ أن أصاب بعض العلماء خوفٌ من إبداء أقوالٍ خلافية بين طلاب العلم بسبب التصرفات (الصبيانية) التي يقوم بها بعض (المتعالمين).
و لو كان الرد من (فاقِهٍ) و (نابهٍ) لكان الخطب هيِّناً، لكن و الأمر خرج من (غلمان) الكتاتيب، و ذوي الفهاهة، و أرباب السفاهة؛ فما نقول إلا (الله المستعان).
بل لو كان الرد و النقض من (الغلمان) محفوفاً بـ (الإنصاف) و (العدل) و ملازماً (الأدب) و (الخلق) مع (المخالف) لكان مقبولاً.
و لكن تخلَّفَت كل تلك المُؤملات فانبرى (الغلام) قاتلاً (السيد)، و استطال (الوضيع) ناطحاً مقام (الشريف).
فلا الأسد أصبح سيد الغاب، و لا حاكى مشيَ الطاووس الغرابُ.