[للمباحثة: الكراهة عند السلف.]
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[12 - 05 - 03, 06:32 م]ـ
س: سؤال أيها الأفاضل مطروح للنقاش والمباحثة:
هل إطلاق لفظة الكراهة عند السلف تحمل على التحريم مطلقاً؟
أم الأمر فيه تفصيل؟
فإن كان فما التفصيل فيه؟
مع رجاء تحقيق القول في المسألة وتوثيقها.
ـ[الجواب القاطع]ــــــــ[12 - 05 - 03, 06:52 م]ـ
أخي الكريم: ابو عمر ـــــــــــــ لعلك تطالع تفسير قوله تعالى: ((كل ذلك كان سيِّئه عند ربك مكروها)) ــــــــــــــ وكلام اهل العلم فيه. وأنا مشغول جد وإلا لكنت أنقل لك كلامهم فيه ـــــــــــ واشكرك على هذا الموضوع المهم.
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[13 - 05 - 03, 09:49 م]ـ
شكراً لك أخي الفاضل (الجواب القاطع)! وجزاك الله خيراً.
يرفع للتفاعل والمباحثة.
ـ[أبو خالد السلمي.]ــــــــ[16 - 05 - 03, 03:25 م]ـ
لفظ المكروه في الكتاب والسنة واصطلاح السلف يطلق على ما طلب منا الشرع تركه سواء على سبيل الحتم أو على غير سبيل الحتم، أي تارة يأتي بمعنى المكروه تحريما، وتارة بمعنى المكروه تنزيها، وتارة يحتمل هذا وهذا
1) فمن أمثلة القسم الأول [الكراهة بمعنى التحريم]
_ قوله تعالى ((كل ذلك كان سيِّئه عند ربك مكروها)) فاسم الإشارة (ذلك) يعود على ما سبق النهي عنه في الآيات السابقة ومنه القتل والزنا، فالمكروه هنا ليس قاصرا على التنزيه قطعا
_وقوله تعالى ((وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان)) هنا بمعنى الحرام
_ وقوله صلى الله عليه وسلم ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)) هنا بمعنى الحرام
_ وحديث: ((احلفوا بالله و بروا و اصدقوا، فإن الله يكره أن يحلف إلا به))
2) ومن أمثلة القسم الثاني [الكراهة بمعنى التنزيه]:
_قوله صلى الله عليه وسلم ((إن الله حرم عليكم ثلاثا ... إلى قوله: وكره لكم ثلاثا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)) رواه البخاري ومسلم، وقال النووي: وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (حرم ثلاثا وكره ثلاثا) دليل على أن الكراهة في هذه الثلاثة الأخيرة للتنزيه , لا للتحريم. والله أعلم.
_ قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو أيوب عن الطعام الذي فيه الثوم: أحرام هو يا رسول الله؟ ((قال: لا و لكنني أكرهه من أجل ريحه)) هنا بمعنى المكروه تنزيها لأنه لما سئل أحرام هو؟ قال: لا.
وفي سنن أبي داود ((أن امرأة أتت عائشة رضي الله عنها فسألتها عن خضاب الحناء فقالت لا بأس به ولكن أكرهه كان حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره ريحه)) فقولها لا بأس به ولكن أكرهه دليل على أنها تعني التنزيه هنا
_ وقوله صلى الله عليه وسلم ((ذكرت وأنا في الصلاة شيئا من تبر من الصدقة عندنا، فكرهت أن يحبسني (وفي رواية: أن يمسي – أو يبيت – عندنا)؛ فأمرت بقسمته)) أخرجه البخاري، وهنا أيضا بمعنى المكروه تنزيها أو بمعنى خلاف الأولى
_ وقوله صلى الله عليه وسلم ((ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه فكرهوه و تنزهوا عنه؟ فو الله لأنا أعلمهم بالله و أشدهم له خشية)) أخرجه البخاري ومسلم، فكرهوه هنا بمعنى كرهوه تنزيها
3) ومن أمثلة القسم الثالث [المحتمل للتنزيه أو التحريم لعدم وجود قرينة ترجح أحد الاحتمالين]
__قوله صلى الله عليه وسلم ((كانت جويرية اسمها برة، فحول رسول الله اسمها جويرية، و كان يكره أن يقال: خرج من عند برة)) أخرجه مسلم، ويكره هنا محتمل للتنزيه أو التحريم
__ وحديث: ((إن الله لا يحب العقوق، و كأنه كره الاسم)).
والأمثلة من السنة لا تحصى، وكذلك كلام السلف جرى على ما جرى به الاستعمال في الكتاب والسنة فتطلق الكراهة عند السلف على المكروه تحريما تارة وتنزيها تارة أخرى، وتجد كثيرا من الأئمة ينكرون في بعض المواضع تفسير قول السلف (أكره كذا) بالكراهة الاصطلاحية الحادثة بعدهم.
ومن الأمثلة التي تحضرني إنكار الإمام النووي والحافظ ابن حجر وغيرهما على من فسر قول الإمام الشافعي رحمه الله بكراهة حلق اللحية بأنه تنزيه وبينا أن المراد بالكراهة هنا التحريم، وتجده في الفتح في شرح حديث خصال الفطرة، وأما إمامنا أحمد رحمه الله فاستعماله لعبارة أكرهه أو لا أحبه أو لا يعجبني ونحوها كثير جدا، وتارة يريد الحرام وتارة يريد المكروه تنزيها.
ومن النقول المفيدة في هذا الباب قول الإمام الشاطبي رحمه الله في الاعتصام:
وأما المتقدمون من السلف فإنهم لم يكن من شأنهم فيما لا نص فيه صريحاً أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، ويتحامون هذه العبارة خوفاً مما في الآية من قوله: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكَم الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ}، وحكى مالك عمن تقدمه هذا المعنى، فإذا وجدت في كلامهم في البدعة أو غيرها ((أكره هذا، ولا أحب هذا، وهذا مكروه)) وما أشبه ذلك، فلا تقطعن على أنهم يريدون التنزيه فقط، فإنه إذا دل الدليل في جميع البدع على أنها ضلالة فمن أين يعد فيها ما هو مكروه كراهية التنزيه؟ اللهم إلا أن يطلقوا لفظ الكراهية على ما يكون له أصل في الشرع، ولكن يعارضه أمر آخر معتبر في الشرع فيكره لأجله، لا لأنه بدعة مكروهة. اهـ
هذا والله أعلم.
¥