[الدرس الرابع في شرح الرحبية (أسباب الميراث وموانعه)]
ـ[أبو خالد السلمي.]ــــــــ[02 - 09 - 03, 04:07 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
إخوتي الكرام:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأعتذر إليكم أولاً عن طول فترة التوقف بين الدرسين الثالث والرابع، وأسأل الله تعالى الإعانة على متابعة الدروس في موعدها بلا انقطاع، وكنا قد انتهينا في الدرس الثالث من شرح المقدمة، وهذا أوان الشروع في أول أبواب متن الرحبية، مع ملاحظة أن تراجم (أي: عناوين) الأبواب ليست من وضع الناظم وإنما وضعها الشُرّاح للتسهيل والتقريب، ولذا تجد اختلافاً يسيراً بين النسخ في تراجم الأبواب، ومنه على سبيل المثال أن بعض النسخ تجد فيها باباً لأسباب الإرث فيه البيتان الرابع عشر والخامس عشر، وبابا آخر لموانع الإرث فيه البيتان التاليان، بينما في نسخ أخرى يُدمج البابان في باب واحد بعنوان (أسباب الميراث وموانعه) وفيه الأبيات الأربعة من 14 إلى 17، والخطب يسيرٌ إن شاء الله تعالى.
{بابُ أسبابِ الميراثِ وموانِعِهِ}
قال الناظم _رحمه الله _:
14ـ أسبابُ ميراثِ الوَرَى ثَلاثَةْ ... كُلٌّ يُفِيدُ رَبَّهُ الوِراثةْ
15ـ وهْي نكاحٌ ووَلاءٌ ونَسَبْ ... ما بَعْدَهُنَّ للمواريثِ سَبَبْ
ذكر الناظم _رحمه الله_ الأسباب التي بها يرث بعض الناس من بعض، والأسباب جمع سبب، والسبب لغةً: هو ما يتوصل به إلى غيره، ولهذا يقال للحبل سبب، والسبب اصطلاحاً: هو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته، مع ملاحظة أن الحكم إذا كان له سببٌ واحدٌ فقط فإذا وجد هذا السبب وجد الحكم وإذا انعدم السبب انعدم الحكم، أما إذا كان للحكم عدة أسباب _ كما في الميراث _ فإن الحكم يوجد عند وجود أيّ سبب من أسبابه، فيكفي سببٌ واحدٌ ليوجد الحكم، لكن لا ينعدم الحكم إلا عند انعدام جميع الأسباب، معنى هذا أنه إذا كان بين شخصين نسب كأن يكون أحدهما أبا للآخر أو ابنا له أو أخا أو عماً فهذا سبب يقتضي التوارث بينهما، وكذا إذا وجدت الزوجية بين رجل وامرأة بأن تكون تلك المرأة زوجة لذلك الرجل فإنه يثبت التوارث بينهما فترثه ويرثها، لكن إذا انعدم النسب بين شخصين فلا يلزم انعدام التوارث بينهما لاحتمال وجود سبب آخر للإرث كالنكاح أو الولاء.
وقول الناظم: (أسباب ميراث الورى) الورى هم الخلق عموماً، لكن المقصود هنا الآدميون، وقوله: (كلٌّ يفيد ربه الوراثة) أي كل سبب من هذه الأسباب يؤدي إلى توريث صاحبه إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وقد ذكر الناظم ثلاثة أسباب للتوارث بين الناس وهي:
1) النكاح:
والمراد به عقد الزوجية الصحيح، حتى لو لم يحصل وطءٌ ولا خلوةٌ، ويثبت بعقد الزواج التوارث من الجانبين أي إن مات الزوج ورثت منه الزوجة، وإن ماتت الزوجة ورث منها الزوج.
ويتعلق بكون النكاح سبباً للميراث مسائل، أهمها ما يلي:
أ - إذا طلق الرجل (الصحيح أو المريض مرض الموت) امرأته طلاقا رجعياً لم يسقط التوارث بينهما، فيرثها إن ماتت، وترثه إن مات، ما دامت في العدة، إجماعاً.
ب - إذا طلق الرجل الصحيح (أي الذي ليس مريضاً مرض الموت) امرأته طلاقا بائنا، أو طلقها طلاقاً رجعيا ثم لم يراجعها حتى انقضت عدتها فبانت بانقضاء عدتها، لم يتوارثا إجماعا.
ج - إذا طلق الرجل المريض مرض الموت امرأته طلاقا بائنا [أي الطلقة الثالثة]، ومات قبل انقضاء عدتها ورثته المرأة معاملةً له بنقيض مقصوده لأنه قصد حرمانها من الميراث فلم يمكنه الشرع من ذلك، لكن إن ماتت المرأة لم يرثها لأنه طلقها فزال سبب الإرث الذي بينه وبينها وهو النكاح، وهذا قول عمر، وعثمان رضي الله عنهما وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وهو القول القديم للشافعي، وقيل لا ترثه كما أنه لا يرثها، وروي ذلك عن علي، وعبد الرحمن بن عوف. وهو قول الشافعي الجديد.
¥