(5) قَولُك: "كانَ الصَّحابَة [لم يَتَرَضَّي أخونَا (الحَسَن) عَلَيهم –رَضي اللهُ عَنهم- مَع دِفاعِه الشَّديد عَن التَّرضي عَنهم!] إذا سألهم النَّبيُّ [أقول: صَلَّىَ اللهُ عَليه وآلِه وَسَلَّم (!)] في أمر الدين [كَذا؛ والأولَى أن يَقول: "أمر مِن أمورِ الدِّين" –مَثلا-] وَلَم يَعْلَمُوه، لَم يَكُن جَوابُهم فَقَط: لا نعلم، وإنَّما كانُوا يُضيفون إليها: الله ورَسوله أعْلَم، فَهَل أنكَر رَسولُ اللهِ [أقولُ: صَلَّىَ اللهُ عَليه وآلِه وَسَلَّم (!)] عليهم أن يقولوا: الله ورَسولُه أعْلَم!! " اهـ.
قُلتُ: لَقَد أجَبْتُ على استشكالِك هَذا (!) جوابًا شافيًا –إن شاءَ اللهُ تَعالَى- عِندَ جوابي عَن استشكالِك السَّابِق (رَقم 3)؛ فراجِعْه –بارَك اللهُ فيك! وخُلاصَةُ جَوابي: أنَّ إقرارَ النَّبي (صَلَّىَ اللهُ عَليه وآلِه وسَلَّم) قَولَ صَحابَتِه –رَضيَ اللهُ عَنهم-: "الله ورَسوله أعْلَم"؛ عِند سؤالِه لَهم سؤالا لا يَعرِفونَه؛ إنَّما هو يَدْخُل تحت مَبحَث "السُّنَّة التَّقريرية" التي هي حُجَّةٌ يُعمَلُ بِها بإجماعِ المُسلِمين، ولو كان هذا القَولُ مِمَّا لا يُقِرُّه الشَّرعُ لَنهاهُم النَّبيُّ (صَلَّىَ الله عَليه وَسَلَّم) عَنه، واللهُ أعْلَم.
ولا يَفوتُني أن أنَبِّه –هُنَا- على أمرَين هامِّين جِدًّا بِخصوص هذا القَول:
الأمرُ الأول: كَيفَ نَجْمَعُ بَينَ قِولِ الصَّحابَة –رَضيَ اللهُ عَنهم-: "الله ورَسوله أعْلَم" -بالعَطف بالواو- وإقرارِ النَّبي (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) لَهم عَلَى ذَلِك، وإنكارِه (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) على مَن قال: "ما شاءَ اللهُ وَشِئتَ" [كما عِند «مُسلِم»: (ح 870)]؟!
يُجيبُ العلامةُ (ابْنُ عُثيمين) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى- على هذا السؤالِ بِقَولِه: "قَولُه "الله ورَسوله أعْلَم" جائِزٌ؛ وَذَلِك لأنَّ عِلمَ الرَّسولِ [صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم] مِن عِلم الله؛ فاللهُ –َتعالَى- هُوَ الذي يُعَلِّمُه ما لا يُدرِكُه البَشَرُ، ولِهذا أتِي بالواو. وكَذَلِك في المَسائِل الشَّرعيَّة يُقال: الله ورَسوله أعْلَم"؛ لأنَّه أعْلَم الخَلق بِشَريعَة الله، وعِلمه بِهَا مِن عِلمِ الله الذي عَلَّمَه؛ كما قال اللهُ –تَعالَى-: (وأنزَلَ اللهُ عَليكَ الكِتاب والحِكمَة وعَلَّمَك ما لم تَكُن تَعْلَم) [النِّساء: 113].
وَليس هذا كَقولِه "ما شاءَ اللهُ وَشِئت"؛ لأنَّ هذا في باب القُدرَة والمَشيئة، ولا يُمكِن أن يَجْعَل الرَّسولَ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) مُشارِكًا لله فيها.
فَفي الأمور الشَّرعيَّة يُقال: "الله وَرسولُه أعْلَم"، وفي الأمورِ الكَونيَّة لا يُقالُ ذَلِك.
ومِن هُنا نَعرِفُ خَطأ وجَهل مَن يَكتُب الآن على بَعضِ الأعمال: (وُقل اعْمَلوا فَسَيرَى اللهُ عَمَلَكم وَرَسولُه) [التوبة: 105]؛ لأنَّ الرَّسولَ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) لا يَرَى العَمَلَ بَعد مَوتِه" اهـ كلامُه –عَليه سَحائِبُ الرَّحمَة- نَقلا عَن كِتاب «المَناهي اللفظية: ألفاظ ومَفاهيم في ميزانِ الشَّريعَة»، ص 96: 98، طـ مَكتَبة السُّنَّة بِمصر.
الأمرُ الثَّاني: يَنبَغي أن يُعلَم أنَّ مَشروعية قَول: "الله ورَسوله أعْلَم" إنَّما كانَت في حياةِ النَّبي (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) لا بَعد موتِه! فَبعَد وفاتِه (صَلَّى الله عَليه وعلى آلِه وصَحبِه وَسَلَّم) انقَطَع عَملُه وعِلمُه، وصَارَ العِلمُ التَّامُّ: الشَّرعي والكَوني مُختَصًّا باللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَحدَه.
ولهذا استحَبَ العُلماء –رَحِمَهم اللهُ تَعالَى- أن تُذَيَّلَ فَتوى المُفتي بِقَولِه: "والله أعْلَم"؛ ولم نَسمَع أنَّ أحدَهم كان يَقول: "الله ورَسوله أعْلَم"!
وعلى هذا يُحمَل قَولُ العلامةُ (ابنُ عُثيمين) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى- في الفَتوَى السَّابِقة التي نَقلناها بتَمامِها: "قَولُه "الله ورَسوله أعْلَم" جائِزٌ"، وَقولُه: "فَفي الأمور الشَّرعيَّة يُقال: "الله وَرسولُه أعْلَم" اهـ؛ فَهو –رَحِمَه اللهُ- إنَّما يُجيبُ عَن سؤالٍ بِعَينِه أوردنَا نَصَّه على رأسِ الإجابَة!
¥