وبالنظر في صور الإجارة المالية نجد أن مواطن النظر الفقهي قد انصرفت في معظمها إلى النواحي التالية:
1ـ مسألة الصيانة وتحمل المخاطر, فمن الملاحظ ان كل الصور فيها تقوم على تحميل ذلك للمستأجر, وهذا مغاير للأصل القائمة عليه الإجارة التشغيلية الذي يحملها للمؤجر, طالما ان الأصل المالي ملكه, وطالما انه قد أجر منفعته لطرف آخر, فهو مسؤول عن تأمين هذه المنفعة, وقد خرجت الإجارة المالية على هذا الأصل, وعموما فإن اعمال الصيانة المعلومة يمكن أن يتحملها المستأجر على اساس انها جزء من الأجرة كما يمكن قيام التأمين على العين المؤجرة, وتحميله للمستأجر بضوابط معينة "26".
وبالتالي فإن هذه الشبهة قد لا تقف حائلا امام شرعية هذا البند في الإجارة المالية.
2ـ مسألة تأجير ما ليس عندك, ففي كثير من الحالات يبرم عقد الإجارة بين المؤجر والمستأجر دون ان يكون المؤجر قد امتلك الأصل المؤجر بعد, والمعروف ان هناك نهيا عن بيع ما ليس عندك, والإجارة نوع من البيوع, وإذن فلا مجال شرعا لقيام ذلك, وقد حاول بعض الفقهاء الخروج من ذلك بإيجاد وعد بالتأجير وليس عقدا للتأجير, لكن ذلك يدخلنا في مشكلة هل الوعد ملزم أم غير ملزم.
فإن كان ملزما فهو بمثابة العقد, وإن لم يكن ملزما فقيمته قليلة وأثره في إغراء المؤجر يكاد يكون معدوما, وقدم بعض الباحثين مخرجا قد يكون قبوله والعملي العمل أكبر بكثير من فكرة الوعد, وهو الشراء مع الخيار لمدة محددة فإذا أنجز المستأجر ما وعد وإلا رد البيع على صاحبه "27".
3ـ مسألة اجتماع أكثر من عقد, فهناك على الأقل في بعض الصور عقد تأجير وعقد بيع وقد يضاف عقود أخرى, وجمهور الفقهاء على جوار اجتماع عقد الاجارة مع عقد البيع "28" وبالتالي فلا تقف هذه الشبهة عائقا حيال القبول الشرعي لبعض صور الإجارة المالية, طالما ان كل عقد منهما قد استوفى أركانه وشروطه.
4ـ مسألة وجود شروط في عقد الإجارة المالية, مثل اشتراط عدم تصرف المؤجر في السلعة طوال فترة الاجارة بما يضر بمصلحة المستأجر, وان يبيع المؤجر للمستأجر السلعة في نهاية المدة وان يكون للمستأجر الخيار بين كذا أو كذا, وقد اختلف الفقهاء في تقرير شرعية ذلك, فمنهم من ذهب إلى جوازه ومنهم من رفض "29".
5ـ مسأل تعليق البيع, في صورة ما إذا كان تملك المستأجر يتم بعد سداد القسط الأخير دون دفع أي ثمن فمعنى ذلك ان الاقساط الإيجارية هي في الحقيقة اقساط ثمن الأصل. وقد كيف القانون الوضعي هذه الصورة بأنها بيع بالتقسيط دون الالتفات الى الصيغة المدونة. لكن قبول ذلك شرعا تحول دونه صعاب عديدة فالاقساط التي دفعت على انها اقساط إيجارية بحكم صيغة العقد, وبالتالي فهي أجرة, فكيف تحول إلى ثمن للأصل بعقد لاحق. إن ذلك لا يتمشى والأصول والقواعد الحاكمة والضابطة للعقود في الفقه الإسلامي. والمخرج من ذلك هو التحول من عقد الاجارة إلى عقد بيع مقسط مع اشتراط عدم نقل الملكية إلا بعد السداد لجميع الاقساط. وفي تلك الحالة لو توقف المشتري عند سداد بعض الاقساط فإن العقد يفسح وبأخذ البائع الأصل. وما سبق ان دفعه المستأجر يسوي من خلال القيمة الايجارية الحقيقية وما قد يكون هنالك من تعويض نتيجة الاخلال بالشروط "30". وتعليق عقود المعاوضات على بعض الشرط كما هو واضح في الاجارة المالية حيث عقد البيع معلق على الوفاء بجميع الاقساط, قال بعض الفقهاء بجوازه, وقال بعضهم بمنعه. وبالتالي فيمكن الأخذ برأي من قال بالجواز "31".
6ـ مسألة الثمن الرمزي. سبق ان رأينا ان بعض صور الاجارة المالية ينص في عقدها على تملك المستأجر للأصل المالي بثمن رمزي. فهل يصح البيع بثمن رمزي؟ من حيث الاصل لا مانع على الطرفين, البائع المشتري في تحديد ما يريانه من ثمن للسلعة. لكن المسألة هنا ليست هكذا بوضوح, فهي مرتبطة بإجارة وبأقساط سبق دفعها, وهي في الغالب أكبر بكثير من الأقساط الإيجارية الحقيقية. ومعنى ذلك ان الثمن الرمزي المحدد ليس هو الثمن في الحقيقة بل هو جزء تافه من الثمن وبقيته ممثلة في الاقساط الإيجارية. وإذن فنحن كما لو كنا أمام انتقال الملك بمجرد سداد الاقساط. وقد رأينا سلفا ان الصواب في ذلك هو الابتعاد عن عقد الاجارة إلى عقد بيع منجم مشروط بعدم التصرف إلا بعد السداد لجميع الاقساط. وبعض المصارف
¥