أما مذهب الشافعية، فيخلص الدكتور الشيخ حس الشاذلي إلى القول بجواز اجتماع العقود اللازمة المختلفة الأحكام، كالبيع والإجارة، بعوض واحد في الأظهر من قولي الشافعي، أما إذا حددت الصيغة عوضاً لكل عقد فيستظهر الصحة، على قواعد المذهب، قولاً واحداً. وأما اجتماع عقد لازم مع عقد جائز في صيغة واحدة فيرى فيه الصحة أيضاً، ما لم يشترط قبض العوض في العقد اللازم في مجلس العقد. ([12])
وأما اجتماع عقدي الإجارة والبيع عند الحنابلة فيجعل الكل باطلاً على قول القاضي لأن ملك العين يقتضي ملك المنفعة فكيف يبيعها بعقد الإجارة؟ ولكن الشيخ التقي يرى صحة ذلك لأنه يعني أن البيع قد استثنيت منه المنفعة لمدة محددة فجاز بيع ما استثني بعقد الإجارة، وهذا ما يصححه الشيخ الشاذلي، سواء أكانت الإجارة للمشتري أم لغيره. ([13])
ويخلص الأستاذ الدكتور نزيه حماد في ورقته القيمة إلى ثلاثة ضوابط لحظر اجتماع العقود هي:
أ و لاً: أن يكون الجمع بينهما محل نهي في نص شرعي.
ثانياً: أن يترتب على الجمع بينهما توسل بما هو مشروع إلى ما هو محظور.
ثالثاً: أن يكون العقدان متضادين وضعاً ومتناقضين حكماً. ([14])
وقد انتهت الندوة إلى التوصية التالية: " يجوز اجتماع العقود المتعددة في عقد واحد، سواء أكانت هذه العقود متفقة الأحكام أم مختلفة الأحكام طالما استوفى كل عقد منها أركانه وشروطه الشرعية، وسواء أكانت هذه العقود من العقود الجائزة أم من العقود اللازمة، أم منهما معاً، وذلك بشرط ألا يكون الشرع قد نهى عن هذا الاجتماع، وألا يترتب على اجتماعها توسل إلى ما هو محرم شرعاً." ([15])
وإذا عدنا إلى صور الإجارة المنتهية بالتمليك لتطبيق هذه الضوابط عليها فإنه من المفيد أن نبدأ بعقد الإجارة المنتهية بالتخيير (لا بالتمليك) لأن قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 44 (6/ 5) في اجتماعه السنوي الخامس قد نص على جواز عقد الإجارة المنتهي بالتخيير باعتباره بديلاً مباحاً فقال في وصفه: " عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر، بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الايجارية المستحقة خلال المدة، في واحد من الأمور التالية:
مد مدة الإجارة.
إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها.
شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة."
وقد لاحظ فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي بأن هذا ليس في الحقيقة من باب الإجارة المنتهية بالتمليك وليس بديلاً حقيقياً عنها. ([16]) لأنه لا انتهاء بالتمليك فيه. وأكد ذلك الدكتور محمد علي القري في بحثه المقدم في الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي بإشارته إلى المعنى التمويلي المتضمن في هذا العقد الذي يقتضي أن يحدد سعر البيع في العقد نفسه. لأن من مقصود العقد نفسه أن يتملك المستأجر العين المؤجرة عند انتهاء مدة الإجارة. ولكننا ينبغي أن نؤكد هنا أيضاً بأن شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة يمكن أن يدل على الانتهاء بالتمليك فعلاً بمقتضى العقد نفسه. ([17]) لأن تطبيق هذا الشرط يمكن أن يتخذ إحدى ثلاث حالات هي كالآتي:
(أ) أن يلتزم الطرفان بعقد بيع على العين المأجورة عند انتهاء مدة الإجارة، بسعر السوق، وأن يحددا في العقد نفسه أسلوباً معيناً للتعرف على سعر السوق هذا. كأن ينص العقد مثلاً على لجنة من الخبراء تحدد السعر، أو على عرض العين في سوق معينة بالمزاد مثلاً، فيكون السعر الملزم للطرفين هو ما تحدده لجنة الخبراء أو ما ينتهي إليه المزاد.
(ب) أن يلتزم واحد من الطرفين، البنك الإسلامي مثلاً، بالسعر السوقي المحدد كما في الصورة (أ) دون الطرف الآخر.
(ج) أن لا يكن السعر ملزماً لكلا الطرفين معاً، فإن شاءا أمضيا العقد وإن لم يرغبا به أخذ المؤجر العين التي يملكها.
¥