تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اختلف الفقهاء في جواز إجارة العين التي تنتج أعياناً، لا منافع، نحو إجارة الشاة للبنها، والبئر لمائها. أي إذا كانت الإجارة تتضمن استيفاء أعيان نحو اللبن والماء واستهلاكه. فالجمهور على عدم الجواز. وقد فرق ابن تيميه بين نوعين من الأعيان: أعيان تحدث شيئاً بعد شيء مع بقاء أصلها نحو لبن الظئر وماء البئر، وأعيان ليست كذلك. فالأولى لها حكم المنافع تجوز فيها الإجارة، حسب رأي ابن تيميه. وبذلك فإنه يعتبر جواز إجارة الظئر للبنها أصلاً، يقاس عليه، لا استثناء من الأصل، جاء على خلاف القياس. ([43])

11 - البيع مع استثناء بعض المنافع

أجاز الحنابلة استثناء بعض المنافع في البيع، نحو بيع الدار مع اشتراط سكناها سنة، للبائع أو لغيره. واشترطوا أن يكون الاستثناء معلوماً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم " نهى عن الثنيا ـ الاستثناءـ إلا أن تعلم. " وهذا الاستثناء لبعض منافع العين لمدة معلومة، كسكنى الدار المبعية سنة مثلاً هو استثناء معلوم. ([44]) ويؤيدهم المالكية في ذلك، إذا كان المنتفع من الاستثناء هو البائع نفسه. ([45]) غير أن الحنابلة يؤكدون أن للمستثني أن يؤجر ما استثناه من منفعة، أو يعيرها لغيره، أي أن له التصرف بها تصرف المالك بملكه، لأنه يملك المنفعة المستثناة، كما يملك المستأجر منفعة الدار التي استأجرها. ([46]) وفائدة هذا الرأي أنه يساعد على تخريج صورة بديلة للإجارة المنتهية بالتمليك، كما رأينا في القسم الأول من هذه الورقة.

12 - اجتماع الإجارة والوكالة

يمكن للمؤجر أن يوكل المستأجر ـ في عقد إجارة عين موصوفة في الذمة ـ ليقوم بشراء العين، وقبضها من البائع وكالة عن المشتري، ثم تسلمها لنفسه بصفته مستأجراً. إذ لا يوجد في الشريعة ما يمنع توكيل المستأجر من قبل المؤجر. كما أن الجمع بين عقدي الإجارة في الذمة، والوكالة، لا يوجد ما يمنعه في الشريعة، فهما ليسا عقدين متعارضين، ولا يتضمن الواحد منهما أية شروط تؤثر على الآخر. وقد أكدت ذلك الأبحاث المقدمة في الندوة الفقهية لبيت التمويل الكويتي المشار إليها فيما سبق.

13 - المخاطرة في الإجارة والشركة

أثار بعض المعاصرين ([47]) أن المشاركة أكثر عدالة من الإجارة، لأن الشركاء يتساوون في المغنم والمغرم، ويشتركون في الخوف والرجاء، فلا تقتصر المخاطرة في الشركة على طرف واحد، على عكس الإجارة التي يعتبرون المؤجر فيها أقل تحملاً للمخاطرة من المستأجر، حيث يحصل الأول على شيء مضمون، في حين يبقى الآخر معرضاً للمخاطرة. وقد استندوا في ذلك إلى أقوال نقلوها عن شيخ الإسلام ابن تيميه.

وهذا الاعتراض على الإجارة ـ في نظرنا ـ غير صحيح؛ فليس من الصواب القول بأن المشاركة أكثر عدالة من الإجارة، من حيث تحمل المخاطرة. ذلك أن المقارنة بينهما ينبغي ن تنظر إلى طبيعة كل منهما والفترة الزمنية لمشروع المشاركة ومشروع الإجارة.

فالإجارة بيع لمنافع عين. وهذه المنافع هي نفسها المنتوج النهائي لمشروع استثماري، ابتدأ بالحصول على العين، من أجل بيع منافعها. وقد تعرض صاحب هذا المشروع لجميع المخاطر المرتبطة بمشروعه، سواء منها تلك الناتجة عن عوامل الطبيعة، أم السوق، أم التقدم العلمي.

والمشاركة هي مشروع آخر، يبدأ بالحصول على العين، والإفادة من منافعها لإنتاج خدمة، أو سلعة. فلا بد، من أجل المقارنة بينهما، من اختيار النقطة الزمنية التي تناسب طبيعة كل منهما، ولا تصح المقارنة بين مخاطر الإجارة عند نقطة من الزمن، هي نقطة عقدي الإجارة والشركة، لأن هذه النقطة تقع عند بدء مشروع الشركة الاستثماري، في حيث هي نقطة قريبة من نهاية مشروع الإجارة الاستثماري. وبحكم ذلك، فهي عند بدء جني ثماره، كالزارع عندما يبيع ثمرته، فلا يقال إن الزراعة ليس فيها مخاطرة لأن الزارع لا يتحمل مخاطر السلعة بعد عقد البيع، وانتقال السلعة للمشتري، لأن زمن البيع بالنسبة له هو وقت انتهاء المخاطر وقت تحصيل ثمرات الجهد. والمخاطرة قد كانت زمن الزراعة، فهي تبدأ عند بدء المشروع، وتنتهي عند جني الثمرة وبيعها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير