تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمد الأمين]ــــــــ[13 - 01 - 09, 07:55 ص]ـ

قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: «طريقة من قال: لا تنعقد هذه اليمين بحال ولا يحنث فيها بشيء سواء كانت:

1) بصيغة الحلف كقوله الطلاق يلزمني لأفعلن

2) أو بصيغة التعليق المقصود كقوله إن طلعت الشمس أو إن حضت أو إن جاء رأس الشهر فأنت طالق

3) أو التعليق المقصود به اليمين من الحض والمنع والتصديق والتكذيب كقوله إن لم أفعل كذا وإن فعلت كذا فامرأتي طالق ....

وهذا مذهب أكثر أهل الظاهر، فعندهم أن الطلاق لا يَقبل التعليق كالنكاح، ولم يَرُدّ مخالفوا هؤلاء عليهم بحجة تشفي».

هنا أتوقف كثيراً مع ما هو مكتوب باللون الأحمر. وهو صِدقُ وحق، لكن الغريب أن ابن القيم لا يتبنى هذا القول مع إقراره بأن أحداً لم يردَّ عليه بحجةٍ تشفي. سبحان الله.

ثم يقول ابن القيم: «طريق من يقول: ليس الحلف بالطلاق شيئا. وهذا صحيحٌ عن طاوس وعكرمة.

أما طاوس، فقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه: أنه كان لا يرى الحلف بالطلاق شيئا. وقد رد بعض المتعصبين لتقليدهم ومذاهبهم هذا النقل بأن عبد الرزاق ذكره في باب يمين المكره فحمله على الحلف بالطلاق مكرها. وهذا فاسد، فإن الحجة ليست في الترجمة وإنما الاعتبار بما يروى في أثناء الترجمة ولا سيما المتقدمين كابن أبي شيبة وعبدالرزاق ووكيع وغيرهم فإنهم يذكرون في أثناء الترجمة آثارا لا تطابق الترجمة وإن كان لها بها نوع تعلق، وهذا في كتبهم لمن تأمله أكثر وأشهر من أن يخفى، وهو في صحيح البخاري وغيره وفي كتب الفقهاء وسائر المصنفين. ثم لو فهم عبد الرزاق هذا وأنه في يمين المكره، لم تكن الحجة في فهمه بل الأخذ بروايته. وأي فائدة في تخصيص الحلف بالطلاق بذلك؟! بل كل مكره حلف بأي يمين كانت، فيمينه ليست بشيء.

أما عكرمة فقال سُنَيْد بن داود في تفسيره: حدثنا عباد بن عباد المهلبي (جيد)، عن عاصم الأحول (ثقة)، عن عكرمة في رجل قال لغلامه: إن لم أجلدك مئة سوط، فامرأته طالق، قال: لا يجلد غلامه، ولا يطلق امرأته، هذا من خطوات الشيطان».

الملاحظة هنا أنه لا فرق بين هذا القول وبين القول الأول. فالحلف بالطلاق يشمل نوعين من أنواع الطلاق المعلق الثلاثة (حسب تقسيم ابن القيم). ولم يقدر على أن يثبت تفريقاً بين الحكم على هذه الأنواع. بل وجدته يقر بذلك في نقل آخر في إعلام الموقعين فيقول: «فإن كانت يمين الطلاق يمينا شرعية -بمعنى أن الشرع اعتبرها- وجب أن تُعطى حكم الأيمان. وإن لم تكن يميناً شرعية، كانت باطلة في الشرع، فلا يَلزم الحالف بها شيء. كما صح عن طاوس من رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عنه: "ليس الحلف بالطلاق شيئاً". وصَحَّ عن عِكْرمة من رواية سُنَيْد بن داود بن علي في تفسيره عنه: أنها من خطوات الشيطان، لا يلزم بها شيء. وصح عن شريح -قاضي أمير المؤمنين علي- وابن مسعود: أنها لا يلزم بها طلاق. وهو مذهب داود بن علي وجميع أصحابه (يعني الظاهرية)». فجعل أقوال هؤلاء قولاً واحداً، وهو الصواب إن شاء الله، وإن كانت نسبة بعض الأقوال لا تصح.

وهذه القول، يختلف مع القول الذي اختاره ابن تيمية ونصره ابن القيم. فابن تيمية ينظر إلى نية القائل هل أراد حضاً أو منعاً ولم يُرد الطلاق فهي يمين، أو قصد شرطاً أو جزاءً فتَطلَق. لكن طاوس يرى أن هذا الكلام لغو لا كفارة فيه، ولا عِبرةَ بقصده، أراد المنع أو أراد الطلاق، فإنه لا يقع. وهو الموافق لقول الظاهرية كذلك. وقد نقل الذهبي -وهو من أهل الاستقراء التام- أن ابن تيمية لم يسبقه أحد من الناس إلى هذا التقسيم الغريب في الطلاق. هذا مع اطلاعه عن كتب شيخه ابن تيمية، وشهرة هذه المسألة التي أدت لسجن ابن تيمية. قال الذهبي في تاريخ الإسلام: «وذهب شيخنا ابن تيمية وهو من اهل الاجتهاد لاجتماع الشرائط فيه: أن الحالف على شئ بالطلاق لم تطلق منه أمراته بهذه اليمين سواء حنث او بر. ولكن إذا حنث في يمينه بالطلاق، قال يكفر كفارة يمين. وقال إن قصد الحالف حضا او منعا ولم يرد الطلاق، فهي يمين. وإن قصد شرطا او جزاء، فهي تطلق ولابد ... لكن ما علمنا أحداً سبقه بهذا التقسيم ولا إلى القول بالكفارة. مع أن ابن حزم نقل في كتاب "الاجماع" خلافاً في الحالف بالعتاق والطلاق، هل يُكفّر كفارة يمين أم لا؟ ولكنه لم يُسمّ من قال بالكفارة، والله أعلم. والذي عرفناه من مذهب غير واحدٍ من السلف، القول بالكفارة في الحلف بالعتق والحج، ولم يأت نص عن أحدٍ من البشر بكفارةٍ من الحلف بالطلاق. وقد أفتى بالكفارة شيخنا ابن تيمية مدة شهر، ثم حَرَّمَ الفتوى بها على نفسه من أجل تكلم الفقهاء في عرضه. ثم مُنِعَ من الفتوى بها مطلقاً».

والحق يُقال أن هذه الصيغة "عليّ الطلاق إن حصل كذا وكذا" ليس من صيغ النذر ولا من صيغ اليمين. قال السبكي: «تسمية التعليق المذكور يميناً، لا يعرفه العرب، ولم يتفق عليه الفقهاء، ولم يَرِد به الشرع. وإنما يُسمى بذلك على وجه المجاز، فلا يَدخُل تحت النصوص الواردة في حكم الأيمان وأنها قابلة للتكفير». وقال: «ولا تُعرف هذه الصيغة ورَدَت في كلام أهل اللغة، ولا سُمِعَت من عربيٍّ لا في نظم ولا في نثر».

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير